الأربعاء، 2 أكتوبر 2013

من يحسم المرحلة القادمة في الثورة المصرية؟

من يحسم المرحلة القادمة في الثورة المصرية؟

01 أكتوبر, 2013 12:00 م
 
عشرات الآلاف يحتشدون في ميدان التحرير للمطالبة بإسقاط النظام - 30 يونيو 2013 - تصوير أسماء وجيه - رويترز
في إطار نشر مساهمات القراء ننشر اليوم هذه المقالة. والموقع غير ما مسؤول عن محتوى المقالة وما يرد بها من آراء.
كتب: أحمد فؤاد
تقترب ثورة يناير من عامها الثالث، بعد شهور من الصراعات بين مراكز القوى والتيارات المختلفة في التوجهات والأهداف، وبعد حدوث تغير كبير في المواقف والتحالفات وفي المواقع ابتداء من الأنظمة الحاكمة وانتهاء بالقوى السياسية والقطاعات الجماهيرية المتعددة، أصبح الوضع السياسي حالياً على الساحة المصرية ملتبسا لدى البعض على المستوى المحلي وأيضاً على المستوى الدولي.
وحتى يمكن تبسيط بعض الحقائق عن التوجهات الحالية لدى النظام الحاكم والقوى السياسية المختلفة وأيضا لدى بعض قطاعات الشعب المصري، يجب أولاً التطرق لعرض سريع بخصوص ما سبق من أحداث شاركت بها الأطراف المذكورة والتي يمكن تقسيمها بعدة طرق، منها التوجهات أو المصالح السياسية أو الانحيازات الاجتماعية والاقتصادية أو المشاريع والأهداف المشتركة.
 أولاً: الأنظمة الحاكمة:
تعاقبت ثلاثة أنظمة على حكم مصر خلال الفترة التالية لثورة يناير وإسقاط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، بدأت بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة "المجلس العسكري"، الذي سرعان ما أصدر إعلانا دستوريا بعد أن استلم الحكم في 11 فبراير 2011 بعد أن أجبرت الجماهير مبارك على التنحي. استمر المجلس العسكري في الحكم لفترة عصيبة مليئة بالاحتجاجات والصدامات حتى 30 يونيو 2012 انتقل بعدها الحكم للدكتور محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، الذي فاز بمقعد الرئاسة في جولة الإعادة، واستمر في الحكم لمدة عام لم يخل أيضا من التقلبات والصراعات والاحتجاجات الموسعة، حتى قامت بإسقاطه موجة جماهيرية ضخمة في 30 يونيو 2013، احتجاجاً على سياسات جماعة الإخوان وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصدام مع عدد من مؤسسات الدولة منها القوات المسلحة والقضاء. وعادت المؤسسة العسكرية إلى المشهد بطرح خارطة طريقلمرحلة انتقالية جديدة برئاسة مؤقتة للمستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق.
 ثانيأ: القُوى السياسية:
عند الحديث عن القوى السياسية يجب مراعاة أوزانها الحقيقية وتأثيرها في الشارع المصري، على الرغم أنها لا تتناسب أحياناً مع تأثيرها على صناعة القرار لدى الأنظمة الحاكمة. وتعمل القوى السياسية من خلال أُطر مختلفة، منها الأحزاب والحركات أو الجبهات والحملات التي ترتبط أحياناً مع المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية. و يمكن أن يتم تقسيم القوى السياسية من زوايا مختلفة وحسب عدد من العوامل، أهمها الانحيازات والمواقف من السلطة الحاكمة ومردود هذه الانحيازات على الشارع المصري. ويمكن تلخيص التوجهات المختلفة في تيار مؤيد لثورة يناير وما تبعها من موجات ثورية آخرها في 30 يونيو 2013، وتيار مؤيد لفكرة مشروع الإسلام السياسي، وتيار مؤيد لفكرة دولة عسكرية أو بوليسية ولو بشكل عصري، مع مراعاة وجود بعض الاختلافات والاتفاقات بين الثلاث تيارات في فترات زمنية مختلفة وتنتقل بعض القوى أحياناً من تيار لآخر حسب القناعات المرحلية أو المصالح السياسية والاقتصادية.
 ثالثاً: بعض القطاعات الجماهيرية:
القطاعات الجماهيرية المقصودة هي المواطنون غير الفاعلين بشكل مباشر في الساحة السياسية سواء بسبب عدم التفرغ أو الرغبة أو القدرة على المشاركة من خلال أُطر تنظيمية، ولكنها تمثل كتلة كبيرة تشارك عند ارتفاع موجات الحراك السياسى وقد تحسم الصراع في الشارع لصالح أحد التيارات. كما تشمل هذه القطاعات أيضاً تنظيمات أو تجمعات قد تكون مهنية أو نقابية أو عمالية. وعادةً ما تتحرك بعض هذه القطاعات عند حدوث تعد صارخ على حقوقها الأصيلة، وتتخذ معظمها الانحياز الأقرب لمفهوم الاستقرار القريب المدى حتى ولو كان استقراراً ظاهرياً.
 الانحيازات السابقة:
  • عندما تولت المؤسسة العسكرية إدارة البلاد في 11 فبراير 2011، قامت معظم القطاعات الجماهيرية بتأييدها في بداية الأمر واستمر التأييد المعلن لحوالي سبعة أشهر، حدث خلالها عدد كبير من الاعتصامات والتظاهرات لمختلف الأسباب بدءأ من طلب محاكمة مبارك ورموز نظامه وانتهاءً بالضغط لتحقيق مطالب وأهداف الثورة. واستمرت شعبية المؤسسة العسكرية في الانخفاض تدريجياً لدى معظم القطاعات الجماهيرية بسبب الارتباك وانعدام الخبرة السياسية والصدام المتواصل مع التيار الثوري المستمر في الضغط لتحقيق أهداف الثورة بالإضافة إلى أن معظم القيادات العسكرية محسوبة على نظام مبارك بشكل أو بآخر وبمصالح اقتصادية متشابكة. وبدأ بُعد جديد في الظهور بعد أحداث ماسبيرو، حيث برز بشكل فج تورط المؤسسة العسكرية في جرائم، وعلى الرغم من وجود وقائع سابقة، إلا أن التعتيم الإعلامي والتأييد الجماهيري وقتها حالا دون انتشارها. وبدأ منحنى الصدام مع التيار الثوري في التصاعد بتناسب عكسي مع شعبية المؤسسة العسكرية التى بدأت في الانخفاض مروراً بأحداث شارعي محمد محمود والقصر العيني "مجلس الوزراء" وظهور حملة "عسكر كاذبون" ثم نزول أعداد كبيرة في يناير 2012للمطالبة برحيل المجلس العسكري. أما تيار الإسلام السياسي فكان خلال هذه الفترة لديه تصالح كبير واتفاق مع المؤسسة العسكرية على ترتيبات المرحلة ولم يحدث خلاف بينهما إلا في مرات قليلة عندما حدثت محاولة من المؤسسة العسكرية للانفراد بالمشهد، "مثل ما حدث معوثيقة السلمى". وتحول تيار الإسلام السياسي لذراع تأييد للمؤسسة العسكرية وقراراتها في هذه الفترة بل وزاد بالهجوم على التيارات الثورية واتهامها بالعمالة والخيانة وغيرها من الاتهامات الباطلة.
  • ثم جاءت مرحلة الانتخابات الرئاسية "والتي تم انتزاع موعدها بفضل أحداث شارع محمد محمود عن طريق التيار الثوري، وانقسمت القوى السياسية والقطاعات الجماهيرية المختلفة في مرحلة الإعادة ما بين تأييد مرشح الإخوان بسبب مشروعهم الإسلامي المفترض أو هرباً من المرشح الآخر "اللواء أحمد شفيق" المحسوب على دولة مبارك والذي وجد تأييداً من أنصار الدولة البوليسية ورافضي جماعة الإخوان. وتيار أخير يؤيد مرشح الإخوان بناءً على وعود واتفاقات بتحقيق أهداف ثورة يناير. بخلاف جزء لا بأس به قام بمقاطعة العملية الانتخابية أو أبطل صوته.
  • وأثناء فترة حكم مرسي، ظل بالطبع تيار الإسلام السياسي مؤيداً له على طول الخط، طالبا المزيد من القمع للخصوم السياسيين رافضا الاعتراف بأي أخطاء. بخلاف التيار الثوري الذي تباينت مواقفه وتكتلاته المختلفة ولكن أغلبية التيار سرعان ما تحولوا لخصوم سياسيين لنظام مرسي نظرا لتردي الأوضاع كما ذُكر، بالإضافة لعدم التزام مرشح الإخوان بأيٍٍ من الوعود التى قطعها على نفسه قبل نجاحه في الانتخابات. أما معظم القطاعات الجماهيرية المختلفة فسرعان ما غضبت على النظام الذي لم يحقق الاستقرار المنشود. وأخيراً المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية وجدت أن نظام جماعة الإخوان يقوم باستغلالها للسيطرة على مفاصل الدولة ومحاولة وضعها في صدام بقمع التيار الثوري وبعض القطاعات الجماهيرية بدون أي مكاسب تذكر لهم، فقاموا بالتمرد على هذا النظام، تزامناً مع تصاعد الاحتجاجات الجماهيرية تحت شعار حملة "تمرد".
المرحلة الحالية:
  • بعد عودة المؤسسة العسكرية لصدارة المشهد، قامت بتغيير وتطوير آليات العمل بالاستعانة بواجهة مدنية ووضع خارطة طريق ترضي أغلبية التيار الثوري والقطاعات الجماهيرية التي استعادوا ثقتها نظراً لوقوفهم مع موجة الاحتجاجات الشعبية في 30 يونيو ضد تيارات الإسلام السياسي بقيادة الإخوان المسلمين، واستعانوا بمؤسسات الدولة الأمنية لقمع تيار الإسلام السياسي في ظل مباركة القطاعات الجماهيرية الغاضبة على هذا التيار والتى تغاضي معظمها عن محاولات عودة الدولة البوليسية وعدد من الانتهاكات والجرائم مقابل استعادة الاستقرار المنشود.
  • ووصلت الأوضاع السياسية إلى مشهد انتقالي تقوده المؤسسة العسكرية بتأييد شعبي كبير رغبةً في الاستقرار بعدما تم الإطاحة بتيار الإسلام السياسي من المشهد وتماديه في التظاهر ومحاولته الاستقواء بالمجتمع الدولى من أجل مطلب عبثى بعودة محمد مرسي. وانتهى بهم الوضع إلى الانحسار التدريجي من الشارع ومن خريطة التأثير السياسي. أما عن التيار الثوري فانقسم ما بين الرغبة في استكمال خارطة الطريق الموضوعة  والسعي نحو الاستحقاقات القادمة من دستور وانتخابات رئاسية وبرلمانية وما بين تخوفات من تغول المؤسسة العسكرية وعودة الدولة البوليسية وجزء من دولة مبارك. وبالطبع التيار المؤيد للدولة العسكرية أو البوليسية دوره مهاجمة كل من ينقد آداء المرحلة أو المؤسسة العسكرية ومباركة أي إجراءات قمعية سواء ضد الإخوان وأنصارهم أو ضد المتخوفين من قيام دولة عسكرية.

الحراك السياسي والاستحقاقات القادمة:
  • هناك تحركات تخفت تدريجيا لتيار الإسلام السياسي وأنصاره تحت عنوان رفض الانقلاب العسكري مترافقة مع رؤية مضطربة تتضمن المطالبة بعودة مرسي في بعض الأحيان! وتصاحب ذلك موجات عنف بسبب وجودهم في الشارع وهو ما ترفضه كثير من القطاعات الجماهيرية، بخلاف الجماعات المتشددة التي تقوم بتفجيرات وعمليات عسكرية ضد الجنود المصريين في سيناء، وعنفهم الطائفي ضد الكنائس والمنشآت المسيحية، وهو ما نتج عنه عزل مجتمعي لمعظم المحسوبين على تيار الإسلام السياسي.
  • بعض التيارات الثورية دعت على استحياء لتظاهرات محدودة ترفض بعض الإجراءات الاستثنائية أو بعض قرارت الدولة في المرحلة الانتقالية، ولم تلق هذه الدعوات استجابة كبيرة نظرا لتخوفات بأن تصب فقط في صالح تحركات الإخوان ومؤيديهم.
  • التحركات الحزبية كالعادة لا تحدث أثرا يذكر، وهي بطبيعة الحال ليست لها قواعد جماهيرية مؤثرة، باستثناء بعض أحزاب ما بعد الثورة والتي تعتمد على جزء من الشباب الذي يعمل بشكل  تنسيقي في مختلف الحملات.
  • يتبقى الجبهات وكيانات وحملات الضغط وهي أحد مكتسبات الثورة، حيث ظهرت ثقافة العمل المشترك والتواصل مع الجماهير بمختلف آليات وفاعليات الشارع والاعتماد على أدوات الإعلام البديل لتوصيل الرسائل وتسليط الضوء على القضايا الهامة، حيث أن إعلام الدولة والإعلام الخاص يسيطر عليهما السياسة ورأس المال. ولا يخدم عادةً إلا الأهداف التى تراها الأنظمة أو الأهداف الربحية البحتة والمراقبة أيضا من الدولة بحيث تحدد سقف الحريات. فيلجأ الإعلاميون والصحفيون إلى آليات الإعلام البديل أيضا لمحاولة نشر المعلومات مما يجبر وسائل الإعلام على عدم تجاهلها.
 إذن الحراك السياسي في المرحلة الحالية لا يتطلب إعادة استخدام آليات الضغط والرفض السابقة بقدر ما يتطلب القتال من أجل الاستحقاقات القادمة من دستور وانتخابات والتوعية بأهمية تحقيق أهداف الثورة وتضمينها في الدستور وتنمية الوعي المجتمعي بخصوص إشكاليات المراحل السابقة لتجنب الدوران في دوائر مفرغة.
وفي سياق الجبهات وحملات الضغط والبناء، هناك مشروعان يستحقان النظر:
1-مانيفستو الشعب : وهو مشروع ديمقراطي تفاعلي يهدف إلى تجميع الأفكار والمشاريع المتعددة التي تم تقديمها لمختلف الحكومات قبل وبعد الثورة لحل المشاكل الرئيسية في مصر من اقتصاد وتعليم وصحة..الخ, والنزول بها لكل مناطق مصر لطرحها وتطويرها أو الحصول عليها عن طريق القطاعات الجماهيرية المختلفة. الهدف الرئيسي من "المانيفستو كما ذُكر على الموقع" هو بناء مشروعات يطورها خبراء بإرادة الشعب الذي يتبنى الأفكار وينقحها ويطورها ويطرح حلولا للمشاكل التي تواجهه طبقا للواقع الذي يعيشه. المشروع في طور التدشين.
2-جبهة طريق الثورة : وهي جبهة شكلها عدد من الرموز والشباب الذين شاركوا بثورة يناير وما تبعها من حراك وموجات متتالية حتى 30 يونيو، والجبهة قائمة "كما ذُكر في البيان التأسيسي" لرفض هيمنة المؤسسة العسكرية على المشهد مثلما رُفض من قبل سيطرة الإخوان على الدولة، وللحفاظ على أهداف الثورة. ولكن لم يتضح حتى الآن موقفها من الاستحقاقات القادمة.
 نحن حاليا فى مرحلة بناء سياسي ومجتمعي ومحاولة تقديم بدائل بعدما قامت الأنظمة السابقة بتجريف التربة السياسية للوطن. ولكن الرهان كان ومازال على القطاعات الجماهيرية التي عرفت طريق الثورة ولم تعد تقبل أن يتم إهدار حقوقها. وإذا شعرت بأي تهديد حقيقي لاستقرارها في المرحلة القادمة فستعود للشوارع بالملايين لإجبار أي نظام على الانصياع لأهدافها.