الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

ولماذا لا نُقنن التظاهر؟

ولماذا لا نُقنن التظاهر؟
أخيراً وبعد عدد من المحاولات المستمرة و التى بدأها المجلس العسكري من بعد ثورة يناير, و واصل محاولاته نظام جماعة الإخوان .. نجح النظام الانتقالى - لدولة ما بعد 30 يونيو - في إصدار القانون الشهير - سئ السمعة - الخاص بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة و المواكب و التظاهرات السلمية والمعروف بإسم "قانون التظاهر(1)", حيث اعتمده الرئيس المؤقت, المستشار "عدلي منصور" يوم 24 نوفمبر برقم 107 لسنة 2013.

بالطبع أضحي هذا القانون جزء من حديث الساعة في أوساط المجتمع المصري و الإعلام و وسائل و مواقع التواصل الاجتماعي وأيضا بعض وسائل الإعلام العالمية, وذلك لأنه يتطرق لموضوع هام ويشغل الرأي العام والقوى السياسية, ودارت العديد من النقاشات حول تأييد أو رفض القانون, أو حتي التحفظ على بعض مواده, و علي الرغم من أنه تم التطرق لعديد من جوانب النقد أو الرضاء عن القانون, إلا أنه تم ترويج عدد من الشائعات أو المغالطات بخصوص نصوص القانون أو سياق إصداره و تعلقه بالأوضاع الحالية و مقارنته بنصوص قانونية في بعض الدول, لذلك وجب توضيح بعض الحقائق من مصادرها.

بدايةًً, ينبغي التأكيد على الحق الأصيل للشعوب في التظاهر السلمي و الذي تنص عليه معظم المواثيق الدولية و المعاهدات الخاصة بحقوق الإنسان مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(2) - والذي وقعت عليه مصر ضمن العديد من الدول - كما ينبغي التذكير بأن الحق في التظاهر هو ما أدي إلى قيام ثورة يناير وموجاتها الجماهيرية المتعاقبة التى خلعت مبارك ولخلخت حكم المجلس العسكري وعزلت مرسي, و أن الثلاثة أنظمة المذكورة حاولت تجريم التظاهر بشتي الطرق لتحييد أقوي سلاح سلمي للنضال الجماهيري, ولكن هذا لم يساعد الأنظمة المذكورة على البقاء, ولم يمنع الجماهير من الانتفاض ضد الظلم و القهر وسوء الأحوال الاقتصادية و الاجتماعية.

و قبل التطرق لأهم النقاط والانتقادات المثارة حول هذا القانون ومقارنته ببعض الأمثلة الموجودة في دول العالم, وجب أيضاً الإشارة إلى مواقف بعض المنابر الإعلامية في التأييد الغير مشروط "لقانون التظاهر" علي الرغم من أن نفس هذه المنابر هي التي اعتبرته قانون كارثي في فترة حكم جماعة الإخوان, وهو ما يدركه متابعوا وسائل الإعلام, و إن دل ذلك على شئ فهو يدل على أن الإعلام في مصر ليس لديه قدر كافي من الاستقلال و إنما يسير وفق رؤي ضيقة و مصالح سياسية و اقتصادية من الدرجة الأولي تقتصر على نخب و فئات قليلة من المجتمع المصري, و هذا كافي للمتابع بألا يثق أو يعتمد على هذا الإعلام كمصدر وحيد للمعلومة و الرأي.

رجوعاً إلى نصوص القانون المكون من 25 مادة صادرة في ثمانية ورقات بأربعة فصول مقسمة إلي, 7 مواد للأحكام العامة و التعريفات, ثم 8 مواد للإجراءات و الضوابط التنظيمية, و 7 مواد للعقوبات, و 3 مواد للأحكام الإجرائية.
السبعة مواد الأولي تتطرق لتعريف الاجتماع العام و التظاهرة و الموكب بأنها تبدأ عند تجمع 10 أفراد فأكثر في مكان عام - أى لا يستلزم دعوة شخصية لدخوله - كما تحظر إرتداء الأقنعة و حمل الأسلحة و الألعاب النارية و أيضا تحظر إستخدام دور العبادة و تعريض المواطنين للخطر أو قطع الطرق أو الاعتداء علي الممتلكات.
هذه المحظورات تبدو في ظاهرها معقولة بل و قد تكون مطلوبة, ولكن أضيف إليها نصوص خطيرة حول الاجتماعات الانتخابية - لم تكن موجودة في مشروع قانون الإخوان - و هو ما يوضح توجه النظام الحالي للسيطرة على أي فاعليات انتخابية قادمة, ( يعني مثلاً لو شخصية قررت تنزل الانتخابات ووقف في الشارع مع مجموعة من المعارف .. يكونوا بيخالفوا القانون ! ) تسييس واضح للقانون و للجهة المنفذة له - الشرطة - و هو ما يؤدي إلي إستمرار التودد إلي السلطات والمحسوبيات وغيرها من أمراض المجتمع التى عانينا منها لسنين طوال. كما أضيف إلى هذه المواد السبعة نصوص مطاطية المعني ترجع لتقدير الداخلية مثل تعطيل الإنتاج و تعطيل مصالح المواطنين, وكان الأحري بواضعي هذا القانون تخصيص و حصر الحالات المقصودة بدلاً من المصطلحات "المباركية" علي وزن تكدير الأمن العام وغيرها من التهم المعتاد توجيهها - أو تلفيقها - للمتظاهرين.

أما عن الفصل الثاني الخاص بالإجراءات, فهو باختصار يقيد أى فاعليات سياسية أو احتجاجية و يحجب الهدف الرئيسي من حق التظاهر, حيث يضع الأمر كله بيد الداخلية ويتطلب أخطارها بموعد البدء والانتهاء و المكان والهدف من الفاعلية و أسماء الأشخاص و الجهات المنظمة لها, وكل ذلك يجب أن يتم قبل الفاعلية بثلاثة أيام على الأقل و 15 يوم علي الأكثر, ( يعني مثلا الأهالي اتجمهروا علشان حصل حادثة أو حالة خطف يبقوا مخالفين للقانون ! ), بل و تتيح مواد هذا الفصل للداخلية - حسبما تري من معلومات - أن ترفض إقامة الفاعلية المطلوبة, و أن تقوم بفضها إذا رأت أنها تشكل خطر - حسب ما يشوفوا يعني -  وحددت المواد تدرج في طرق الفض بدأءً من التحذير بالانصراف و خراطيم المياه وانتهاءً بالطلقات المطاطية و الخرطوش في حالة عدم الاستجابة - أو بوسائل تتناسب مع قدر الخطر زي ماهو مكتوب ! - إذن هو ترك كل شئ بيد الشرطة - اللي هي كانت سبب رئيسي في قيام ثورة يناير ضد الظلم والتعذيب,  بدأت في عيد الشرطة ! - بدون أي قيود أو رقابة, و الأكثر مدعاة للسخرية المحزنة هو قدرة كاريكاتيرية لنصوص القانون علي إعلان تحديد ما يسمي بالحرم الآمن حول عدد من المؤسسات زادها مطاطية بكلمة "حيوية" - تقريبا كل الجهات اللي الناس بتتظاهر ضدها عادة - بدأت بالمقار الرئاسية وكادت أن تنتهي بدوار العمدة! وحظر الاقتراب منها. وأخيرا يطالب القانون كل محافظ بتحديد منطقة حُرة للتظاهر بدون إخطار - زي "االهايد بارك" اللي شفيق قال عليها - ولكن الملحوظ تماماً هو عدم وجود أى مواعيد إلزامية للدولة بإصدار أياً من تلك القرارات و لا أي شروط لإصدارها ولا أي حلول إذا خالفت الدولة ذلك !

الفصل الثالث خاص بالعقوبات, وهي تعاقب على أى مخالفة لأحكام وشروط هذا القانون, بدايةً من التجمع أو التظاهر بدون إخطار, غرامة من 10 آلاف إلى 30 ألف جنيه, مروراً بالحبس سنتين على الأقل و غرامة من 100 إلى 200 ألف جنيه لمن يعطل الانتاج ! وخلافه من أحكام المادة السابعة و حبس سنة وغرامة من 50 إلى 100 ألف جنيه لمن يرتدي أقنعة أو يتجاوز ما وصفه القانون بالحرم الآمن - الذي لم يحدد بعد ! -  و انتهاءاً بحمل ألعاب نارية أو أسلحة, السجن 7 سنوات على الأقل و غرامة من 100 إلى 300 ألف جنيه.
وأخيراً, فصل الأحكام الإجرائية, والجدير بالذكر أنه ألغي قانون رقم 14 لسنة 1923 وكل ما يخالف أحكام القانون الجديد, لكنه أبقي على القانون رقم 10 لسنة 1914 الذي أصدره الاستعمار البريطاني !

بعد محاولة استعراض مواد القانون, وجب لفت الانتباه أنه يتعارض مع نصوص صريحة في مسودة الدستور التي تم نشرها, كما أنه سيتيح الطعن في نتائج الانتخابات القادمة مما يعيدنا إلي دائرة العبث القانوني السائدة من بعد الثورة, فكما حذرت العديد من الجهات من عدم قانونية و عدم دستورية الانتخابات السابقة و قوانينها .. نعيد تكرار نفس الأخطاء.

بالنسبة لمقارنة أوضاع مصر بدول العالم .. هل شرطة مصر كباقي الأجهزة الأمنية ؟ جهاز قامت ضده ثورة و موجات غضب, لكن مازالت سياسات القمع و التعذيب مستمرة, مازال جهاز يخدم النظام و لا يخدم الشعب, لا بد من تطهير وهيكلة الجهاز قبل إعطاؤه أي صلاحيات - هم كده كده بيعملوا اللي يشوفه النظام مش مستنيين قوانين – ثم لماذا لا نقارن أنفسنا بالدول الأخري إلا في القيود, ماذا عن العدالة و المساواة و المجالات الإنسانية التي ترتقي بالمواطن؟

القوانين الهامة الشبيهة تصدر من ممثلين للشعب و بحوارات مجتمعية حقيقية تعتمد على التوعية والنقاش للوصول لأنسب الحلول و إذا كان الهدف مواجهة العنف والتظاهرات المسلحة, فهل قانون العقوبات لا يكفي ؟ أم أن المشكلة في من يطبق القانون بانتقائية, والمشكلة الأكبر في الرقابة علي من يطبق القانون ؟ و مع ذلك في ظل قانون الطوارئ و حظر التجوال لم يتم القضاء علي العنف و القتل, بل زادت التفجيرات و الأعمال الانتقامية و علي العكس, عندما تم فض اعتصام - صحيح كان في سلاح متخبي و تهديد بالإرهاب ودعوات تدخل خارجي و مولد سيدي المرسي - لكن على الرغم من عدم وجود قانون, تم فض الاعتصام و أدي ذلك لقتل ما يقرب من 1000 إنسان - شاملين قوات الأمن-  أما مبدأ التقنين لا يوجد به مشكلة, بالعكس قد يكون مطلوب, و لكن لحماية المتظاهرين و المواطنين أولاً ! وليس لفرض قيود و لا لأهداف سياسية أو تحضير لقمع أى معارضة للنظام الذي جاء بموجة تظاهرات شعبية, يريد الآن الحد من قدراتها ! حاولت من قبله كل النظم الاستعمارية و النظم الديكتاتورية و النظم ذات الديمقراطية الشكلية, و فشلوا فشل ذريع, و إذا إستمر النظام في الإصرار علي نفس النهج, فبالتأكيد سيلاقي نفس المصير, الحرية تنتصر دائما, ولكن بعد استيفاء كامل الثمن, ونرجو أن تكون الدماء التي سالت ثمناً كافياً.

حقائق سريعة عن قوانين دول أخري:
·         يوجد مقترح حديث لمشروع تحجيم التظاهر في أسبانيا ولكنه لاقي اعتراضات واسعة, ووجب التنويه أن معظم الدول التي تحاول فرض قيود علي التظاهر لديها مؤسسات و رقابة و قوانين حقيقية تكفل حقوق المواطنين أولاً, وعلي الرغم من ذلك حدثت موجات شعبية تجاوزت تلك القوانين مثلما حدث مؤخراً في إيطاليا و البرازيل و اليونان.
·         ما يتم نشره على أن القانون البريطاني يحظر التظاهر إلا بإخطار هو غير صحيح, ولكنه يتطلب الإخطار في حالات المسيرات و المواكب, هذا طبقا لموقع الحكومة البريطانية (3), علي الرغم من أنه تم حظر التظاهر في بعض الأماكن بعد أحداث العنف في 2005 و 2006, و معظمها منشآت نووية و عسكرية.
If there’s no march involved
If there’s no march organised as part of your protest, you don’t have to tell the police.
·         الدستور الروسي في المادة 31 يتيح حرية التعبير عن الرأي بكافة الأشكال, و القانون يلزم بإخطار السلطات ولكنه لا يتخذ إجراء في حالة عدم الإخطار, و علي الرغم من ذلك يعطي سلطات للأجهزة التنفيذية بالتدخل في حالة وجود أخطار علي حياة المتظاهرين - مش العكس ! - ويمكن قراءة التفاصيل(4) علي ويكيبديا.
Citizens of the Russian Federation shall have the right to gather peacefully, without weapons, and to hold meetings, rallies, demonstrations, marches and pickets.
·         التعديل الأول لوثيقة الحقوق الأميريكية (5) يحظر تماماً إصدار أى قوانين تحد من الحق في التعبير بأي شكل. ولكن حدثت محاولات مؤخراً للتحايل علي النص, بخلاف تحديد أماكن خالية من التظاهر.
Amendment I

Congress shall make no law respecting an establishment of religion, or prohibiting the free exercise thereof; or abridging the freedom of speech, or of the press; or the right of the people peaceably to assemble, and to petition the Government for a redress of grievances.


مصادر تم ذكرها (بعضها باللغة الإنجليزية):
1- نص القانون 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة و المواكب و التظاهرات السلمية "قانون التظاهر".
2- نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
3- التظاهر والمسيرات طبقا لموقع الحكومة البريطانية.
4- معلومات من ويكيبديا عن حرية التعبير والتظاهر في روسيا.
5- وثيقة الحقوق الأميريكية

6- مصد لمزيد من المعلومات: تحليل قانوني حقوقي علي موقع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.