الأربعاء، 9 نوفمبر 2016

الحلم المصري، هل يمكن تحقيقه؟ (تقرير حالة)

الحلم والكابوس:


حلم أي إنسان بسيط هو القدرة على أن يعيش في سلام، بدون ضغوط نفسية وفي مجتمع متحضر، يضمن توفير الحقوق الأساسية ومتطلبات الحياة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وتعليم وعلاج. هل هذا كثير؟ وهل يمكن تحقيق ذلك في مصر؟


في مصر، كابوس، مشاكل عمرها سنوات وتزداد يومياً لتمنع تحقيق هذا الحلم البسيط، وعلى مدار تلك السنوات حدثت العديد من التغيّرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكلما ازداد الوضع سوءً كلما ابتعد تحقيق الحلم، فتحدث انفجارات جماهيرية غاضبة وانقسامات في المجتمع ويزداد انحدار الأخلاقيات، ورغم ذلك ترى المسئولين والحكام يتهمون الشعب ويحمّلون غالبية المواطنين أسباب التدهور وفواتير فشل الإدارة، وترى آراء ونصائح "محمد صبحي ستايل" على وزن (حديقتي نظيفة - ابدأ بنفسك - المشكلة في الشعب - احنا شعب أخلاقنا كذا...) إلى آخره من هراء يروجه الحكام وإعلامهم ومريديهم والمستفيدين من بقائهم في الحكم، ويتم ترسيخه في نفوس الأغلبية من المتضررين من الحكم.
"يوجد نوعان من الحكومة... حكومة يجيء بها الشعب فهي تعطي الفرد حقه من الاحترام الإنساني ولو على حساب الدولة، وحكومة تجيء بها الدولة فهي تعطي للدولة حقها من التقديس ولو على حساب الفرد" –  من رواية نجيب محفوظ: (الشحاذ)
...رغم أن المشاكل في الأصل بسبب سوء الإدارة وغياب الرقابة وهو ما أنتج فساد وأدى إلى إفساد وغياب للعدالة والمساواة، مع نسج المزيد من القوانين المهلهلة التي تخدم بقاء النظام مهما تغيرت الأوجه، فيبقى الهيكل الفاسد، بشرط تقديم فروض الولاء لضمان مصالح مراكز القوى العالمية والإقليمية وبالطبع المحلية، فيكون البقاء "بالداخل والخارج" لسياسات الحفاظ على مصالح الكبار.
من هم؟
كبار "البيزنس" المحتكرين وأصحاب المليارات وحيتان الأراضي والبترول ومنهم الحكام ودوائر المسئولين، يعملون باستمرار على ضمان السيطرة على مقدرات الأمور، لأنفسهم ولأولادهم ولجيرانهم ولأحفادهم وكل من سيكون في موضعهم، يضمنون بقاء نفس الامتيازات والصلاحيات ويعتبرون موارد البلد حقًا أصيلًا ومكتسبًا لهم بالوراثة، ولو تبقى أي فتات للشعب يقولون إنه ليس في الإمكان أفضل مما كان.
رغم أن ما كان وما يحدث من أزمات بسبب الطمع والجشع والفساد، ورغم أن ثورة يناير قامت ضد الظلم وافساد وزكاها الغضب، ولكن الثورة وسيلة وليست غاية، فالثورة من معناها، أنها انتفاض ضد أوضاع غير مقبولة، ولكن لا يوجد ترابط بين الثورة ووجود سيناريوهات حلول للمشاكل، وكل التجارب التي تم خوضها والأفكار اللي تم طرحها بعد الثورة هي نتاج تكوين وعي جمعي عن المشاكل المذكورة، ورغم أهمية الخبرات المكتسبة من تلك التجارب ووجاهة بعض الحلول المطروحة للأزمات السياسية والاقتصادية، إلا أن شبكات المصالح  - والتي عمرها سنوات - يصعب أن تسمح بتنفيذ أي حلول حقيقية لمشاكل الشعب، لأن الحلول ببساطة متعارضة مع مصالح تلك الشبكات، ولذلك يتحدون سوياً ضد تنفيذ أي حل منطقي، رغم أنهم في الأساس بينهم علاقات معقدة وخلافات كبيرة "على السبوبة" ورغم أن معظمهم تنظيمات أقرب للعصابات ولكن تَجمعهم مصالحهم، ولذلك يلزم لغالبية الشعب أن تجمعهم مصالحهم أيضًا، مهما كانت الاختلافات. وطالما تكررت كلمة غالبية، فلننظر إلى الأرقام لنرى أوضاع الغالبية.

حقائق وأرقام:
1.                  الأعداد والإنفاق اليومي "الناس بتصرف كام": نصف السكان فقراء، وثلثي النصف الآخر في أدنى درجات الطبقة المتوسطة. الأغلبية فقراء:
·                     مصر دولة عدد سكانها الرسمي في أكتوبر 2016، تجاوز 91.8 مليون فردًا، طبقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، وهذه الإحصائية لم يتم تحديثها منذ عام 2006 وتعتمد على متوالية هندسية لحساب معدل الزيادة السكانية منذ وقتها، مع العلم أن تلك الاحصائية لم تتضمن الكثير من العشوائيات والمناطق الحدودية. والتقديرات أن العدد الحقيقي يتجاوز 100 مليون بخلاف المصريين بالخارج التي تفيد التقديرات أيضًا أنهم يتجاوزون 10 مليون فردًا. حسنًا، البقاء مع الاحصائيات الرسمية يجعل واقع الأرقام أقل رعبًا.
·                     الأرقام الصادرة من الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء في (كتاب الإحصاء السنوي) لعام 2016 و(بحث الدخل والإنفاق) لعام 2015، تفيد أن عدد الأسر التي معدل إنفاقها الشهري يتجاوز 4160 جنيه، تمثل نسبة 15.7% من الأسر المصرية، وأن عدد الأسر المصرية هو 20.1 مليون أسرة، وبذلك يصبح متوسط عدد أفراد الأسرة "مجازًا" هو 4.6 فردًا، بمعني آخر، عدد الأفراد الذين يقل معدل إنفاقهم الشهري عن 904 جنيه، يتجاوز 75 مليون فرد.
·                     خط الفقر العالمي هو الدخل اليومي الافتراضي الذي يوفر أدني مستوى معيشة للفرد بدون الكثير من الأساسيات، وهو رقم متغير مرتبط بالدولار وقوته الشرائية، ارتفع عام 2015 ليصل إلى 1.9 دولار في اليوم، وفي 2016 بعض التقديرات رفعته إلى 2 دولار في اليوم، وهناك عدة تعريفات لخط الفقر، منها خط الفقر المدقع بمعني استحالة توفير متطلبات الحياة. ويوجد خط الفقر المصري والذي تحتسبه الدولة حالياً بمبلغ 16 جنيهاً في اليوم، هذا وقد أجرى مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار ومركز العقد الاجتماعي، التابعين لمجلس الوزراء المصري، دراسة عام 2014 أفادت بأن نسبة الفقراء في مصر 80% من السكان، وفقا لأهداف الألفية التي حددتها الأمم المتحدة!
وبالعودة لأرقام جهاز التعبئة والإحصاء، نجد أن نسبة أعداد المصريين تحت خط الفقر المصري في عام 2015 بلغت 27.8% من عدد السكان المسجلين، بمعني آخر على العدد الحالي للسكان، يوجد أكثر من 30 مليون مواطن/ة تحت خط الفقر بشكل رسمي، بدون النقاش حول تعريفات خط الفقر والتضخم والزيادة المستمرة في أسعار الدولار والسلع الأساسية.
·                     وأخيرًا وبدون التطرق لأكثر من ذلك عن أرقام الفقر المفزعة، نٌشرت العام السابق دراسة من وزارة التخطيط وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أفادت أن  47% من المشتغلين بالقطاع الخاص "غير الرسمي وغير النظامي" يعيشون بأقل من دولار في اليوم!
2.                  من يدفع الضرائب؟ وهل يدفع الكبار؟ معظم الضرائب من موارد الشعب. ثروة الأغلبية:
في عام 2014، نشر الباحثان رضا عيسى وعمرو عادلي، تقريرًا عن الضرائب من واقع بيانات الموازنة أفاد أن الهيئة المصرية العامة للبترول وهيئة قناة السويس أسهمتا بنحو 70% من إجمالي ضرائب شركات مصر، علمًا بأنهما مملوكتان للشعب المصري. فأين مساهمة باقي الشركات؟!
وأفاد التقرير أيضًا بأن جملة ما ساهمت به الشركات في الفترة (2008-2012) لا يتجاوز 7% فقط من إجمالي إيرادات الدولة، وفى مقابل النسبة الهزيلة التي تؤديها الشركات، ساهمت ضرائب دخول الأفراد بنحو 9% من إيراد الدولة عن نفس الفترة، والجزء الغالب منهم هو الموظفين والعمال بالقطاعين الخاص والعام، وأسهمت الضرائب غير المباشرة "مثل الجمارك وضريبة المبيعات" بحوالي 46% من إجمالي الإيرادات الضريبية. وهذا بالطبع قبل تطبيق ضريبة القيمة المضافة في عام 2016، والتي تزيد من إيرادات الحكومة وأعباء الأفراد.
3.                  الصحة والتعليم: نسبة كبيرة من الأغلبية مريضة أو مجهلة:
·                     بالعودة مرة أخرى لأرقام جهاز التعبئة والإحصاء، نجد أن معدل الأمية في مصر تصل نسبته الحالية إلى 29.7% من السكان، وهو إحصاء قائم على حصر أمية القراءة والكتابة، ناهيك عن الخوض في تفاصيل التعليم الجامعي أو المتوسط.
ورغم ذلك، في أحد تصريحاته، ذكر حلمي النمنم، وزير الثقافة، أن مصر تُصنّف كواحدة من الدول التي ترتفع فيها نسبة الأمية على مستوى العالم وتصل إلى 40%، فضلًا عن الأميّة الثقافية. وهذا التصريح أقرب للواقع عند مطابقته باحتلال مصر المراكز الأخيرة في التعليم على مستوى العالم في تقارير التنافسية.
·                     أما عن الأمراض، نسأل لله الوقاية من شرورها جميعًا ونسأله الشفاء لكل مريض، أشارت إحصائيات منظمة الصحة العالمية وبعض المنظمات المهتمة، إلى أن أعداد المصابين بمرضى السكري في مصر وصلت إلى 11 مليون مواطن خلال  السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى الزيادة المستمرة في أعداد المصابين بفيروس التهاب الكبد الوبائي التي بلغت نسبتها 22% من المصريين، ونسبة مرض الفشل الكلوي 10% وضعف جهاز المناعة 40% وأمراض الصدر 15% والأمراض النفسية 14% والسرطان 11%.
أكتفي بهذا القدر من عرض الأرقام المؤلم، الذي هو حال الأغلبية في مصر.
من المسئول؟ الإهدار والفساد وسوء الإدارة:
·                     في مارس 2016، صدر قرار رئاسي بإقالة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، "أكبر جهاز رقابي في مصر" على خلفية تصريحاته بكشف وقائع فساد تجاوزت قيمتها 600 مليار جنيه مصري خلال عام 2015 وحده، علمًا بأن حقيقة التصريحات تشير إلى بحث وقائع الفساد في 4 سنوات، وأن الأرقام الحقيقية تتجاوز ذلك المبلغ بكثير! فضلًا عما أثاره ذلك القرار عن مدى قانونية ودستورية إقالة رئيس الجهاز، وهو أمرٌ مازال منظورًا في ساحة القضاء، وصاحبه تحريك دعوات لحبس المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي  للمحاسبات الذي تمت إقالته.
·                     في أكتوبر 2015، تم تغيير هشام رامز، محافظ البنك المركزي، وما أثير في وقتها أن ذلك تم بسبب تصريحاته عن إهدار جزء من احتياطي الدولار على حفر تفريعة قناة السويس، وتم تعيين طارق عامر بدلًا منه "ابن شقيق عبد الحكيم عامر"، والذي حدث في عهده نقص حاد مع أزمة طاحنة في سوق العملة وارتفع سعر الدولار في السوق الموازية إلى أن تجاوز 18 جنيهاً في السوق السوداء، ذلك قبل قرار تحرير سعر الصرف الصادر في 03 نوفمبر والذي بدأ من 13/14 جنيهًا، وتجاوز 17 جنيهًا للدولار الواحد.. لحظة كتابة السطور
·                     بلغ الدين المحلي حوالي 2.49 تريليون جنيه بنهاية مارس 2016، أما الدين الخارجي بلغ 53.4 مليار دولار بحسب تقرير البنك المركزي المصري، أي أن الديون تتجاوز نسبة 100% من الناتج المحلي. ورغم ذلك مازالت سياسات الاقتراض مستمرة!
وبلغت فوائد الديون طبقًا لموازنة 2016/2017 حوالي 292.5 مليار جنيه، أي أنها تتجاوز مخصصات الأجور لحوالي 6.5 مليون عامل بالحكومة، "والتي تبلغ 228 مليار جنيه"، وتفوق مخصصات التعليم والصحة والاستثمارات العامة (التعليم 104 مليار جنيه، الصحة 50 مليار جنيه، والاستثمار 107 مليار جنيه).
·         بلغ عجز الموازنة للسنة المالية 2016/2017 حوالي 319.46 مليار جنيه، وهو رقم غير نهائي وقابل للزيادة مع ارتفاع سعر الدولار وفشل التخطيط وسوء التقدير الواضح في إعداد تلك الموازنة.
علمًا بأنه نُشر تقرير عن البنك المركزي يوضح أن مصر تلقت 29 مليار دولارًا كمساعدات منذ 2011! فأين ذهبت تلك الأموال؟
·                     جاءت مصر في المرتبة الأخيرة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمركز الـ 110 من 113 دولة عالميًا في مؤشر سيادة القانون، الذي يعده مشروع العدالة العالمي، المؤشر الذي يراعي عدة عوامل منها القيود على سلطات الدولة، غياب الفساد، الحقوق الأساسية، النظام والأمن العام، قوة إنفاذ القانون، العدالة المدنية والعدالة الجنائية.
·                     كل الأرقام المذكورة من واقع تقارير موثقة ولكنها لم تأخذ في الحسبان السعر الجديد للدولار والنتائج المترتبة عليه من زيادة في معدلات فوائد الديون والتضخم وزيادة عجز الموازنة بالسعر الجديد، ولم يتم بالطبع حساب نتائج القرار الأخير الخاص برفع سعر المحروقات والذي ينبئ بزيادة الأزمة الاقتصادية الطاحنة برفع أسعار البنزين والسولار وغاز الطهي، ومردود ذلك على ارتفاع كافة أسعار السلع والخدمات... القرار الذي أتى كمحاولة للدخول في جدول اجتماعات صندوق النقد في 07 و 09 نوفمبر 2016، للحصول على الدفعة الأولى من القرض المطلوب بعد تحقيق كافة شروط الصندوق، حتى ولو حساب الغالبية المطحونة من الشعب المصري.
"مصر مرشحة، في ظل خيارها، ليس بين السيئ والأسوأ، بل بين الأسوأ والأكثر سوءاً لتتحول في النهاية من مكان سكن على مستوى وطن إلى مقبرة بحجم الدولة" – من كتاب شخصية مصر، للمؤرخ المصري جمال حمدان
يسألونك عن الثورة، مرة أخرى:
عند النظر إلى حال معظم الأسر المصرية، سيجد الناظر أن مهارات تلك الأسر في الإدارة والاقتصاد أفضل كثيرًا من مهارات العديد من المسئولين والحكام، فيكفي أن تلك الأسر تدير شئون حياتها ومعيشتها في ظل أصعب الظروف، والتي تم ذكر بعضها في السطور أعلاه، وفي ظل ندرة أو انعدام الموارد.
ورغم صعوبة الحياة بهذا الشكل، تقوم تلك الأسر عادةً بدعم المؤسسة أو الحاكم الذي يعدهم بالاستقرار، حتى ولو كان الوعد ظاهرياً، وحتى ولو بدون برنامجًا حقيقياً، مشروع نهضةً كان أو حتى لمباتِ موفرةِ وعربات خضار. ولكن عندما تهتز تلك الوعود، وتتمخض الحياة لتفرز المزيد من الأعباء على كاهل تلك الأسر من زيادة أسعار سلع أساسية ونقص حاد في بعضها ورداءة أو انعدام الخدمات مع ارتفاع أسعارها أيضًا، وخفض للدعم ورفع أسعار المحروقات، وركود على الأبواب كضربة قاسمة لما تبقى من محركات الاقتصاد "الاستهلاك المحلي"، مع تغول الأجهزة الأمنية والذي يصاحبه "ويالا العجب" انفلات أمني وزيادة أحداث العنف والقتل و"بعبع" الإرهاب، وفي ظل تلك الأرقام الكارثية التي تم ذكرها في المقال، فضلًا عن الكثير من الاحصائيات المرعبة التي لم يتم ذكرها والتي يتم رصدها بصفة يومية في مختلف الملفات، والفشل التام في التعامل مع ملفات السياسة الخارجية وانسحاب الدعم الخليجي من المشهد،  فلابد أن ندرك أن الانفجار قادم لا محالة ولا يمكن التنبؤ بموعده ولكن يمكن رصد أمواجه التمهيدية، والاستعداد له، أما مراكز القوي فتعيد ترتيب أوراقها لمحاولة امتصاص أثار الانفجار المتوقعة، وإعادة تدوير النظام بوجوه جديدة، "كما هو ملحوظ من ذعر واشتباك المنابر الإعلامية والأشخاص المحسوبين على جهات معروفة يطلق عليها سيادية"، وأما الخاسرون فيحاولون القفز من السفينة أو يغرقون تحت الأمواج.
ما هو الحل في ظل غياب أي تنظيم يمثل مصالح الأغلبية الجماهيرية؟
بما أن أهم دروس يناير المستفادة هي ضرورة التنظيم والتجمع تحت مظلة تمثل حقوق المواطنين، فإن السبيل لذلك هو التمسك بالأولويات الواجبة التحقيق، لضمان مصالح غالبية الشعب المصري وحقوق المهمشين، ووجوب التأكيد على أن أي نظام قائم أو قادم لن يستمر بدون تفعيل الدستور والقوانين بحق ولو كانت نصوصهم تحتاج لتعديلاتٍ عديدةٍ ومساواة جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، مع تفعيل الرقابة والشفافية في ظل الفساد الذي زكمت رائحته الأنوف واغتُصِبت في ظلماته موارد الشعب لصالح فئات قليلة من المحاسيب وانعدمت العدالة الاجتماعية وانهارت المؤسسات ووجب إعادة بنائها. ويمكن الضغط في ملفات محددة (مثل ملف الإهدار والفساد كفرع من شجرة الاقتصاد الجافة) وتكثيف حملات مبتكرة لانتزاع مكاسب بعينها لا تعتمد على شخص الحكام أو سياسات الأنظمة المذكورة وألعاب السُلطة، فالثورات لا تنتصر بالضربات القاضية، والرهان الأوقع على الشباب والمستقبل، حتى ولو بدا مظلمًا. وأخيرًا على كل الحكام أن يتعلموا دروس التاريخ التي أكدت أن الغضب الشعبي لا يتم تحديده بموعد ولا يمكن قمعه إلى الأبد... وليست يناير منا ومنهم ببعيدة.



بتوقيت القاهرة المحلي

في يوم الاثنين، الموافق 1 أبريل 2013، كتبت مقالا بعنوان “رحيل مرسي بتوقيت القاهرة المحلى“، وهو تحليل اعتمد على بعض الأرقام والمؤشرات التي ظهرت في وقتها لكل من يتابع الشأن العام.
وعندما أعدت قراءة ذلك المقال، وجدت أن الكثير من العوامل التي ساهمت في إسقاط أنظمة الحكم السابقة في مصر مازالت قائمة.
الجنون هو تكرار نفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة” مقولة شهيرة منسوبة للعالم ألبرت أينشتاين.
ملخص الأزمات:
في البداية، وجب التنويه بأن نفس مسببات تردي الأحوال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أدت إلى موجات التظاهر والغضب على مدار سنوات، مازالت قائمة، بل إنه بالنظر إلى الأرقام  والمؤشرات المنشورة في تقارير الحكومة والجهاز المركزي وفي تقارير جهات متعددة، يتضح أن أحوال المواطنين ازدادت سوءً لأسباب كثيرة، منها ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم وزيادة الديون الداخلية والخارجية وزيادة عجز الموازنة وانحدار مستوى التعليم وضعف كفاءة سوق وفرص العمل وتخفيض الدعم على المحروقات ورفع الضرائب وأسعار الخدمات وأزمات الإسكان والمرور وبيروقراطية التعاملات مع الجهات الحكومية وغيرها من أزمات مستمرة ومتصاعدة بدون وجود خطوات شفافة ومنطقية للحل، بالإضافة لفساد المؤسسات وبطش الأجهزة الأمنية وغلق المجال السياسي العام.. كل ذلك يشارك في عزف سيمفونية شنيعة هي الأسوأ من نوعها عن فساد منظومة الحكم.
وفوق كل ذلك، زادت مشكلة الإرهاب وما صاحبها من أعمال عنف وقتل شبه يومي، وما ظهر من فشل أمني في التعامل مع ذلك الملف. وبالنظر إلى الإعلام الدولي نجد أن تناوله لسيرة مصر عادةً ما تأتي مع سخريةٍ من أداء أو كذبالحكومة والنظام الحاكم كل، وأحياناً نقد للفساد أو للديكتاتورية.
ملفات ساخنة:
وبالرجوع لأشهر الملفات الساخنة المثارة في مصر مؤخراً، منذ واقعة مقتل فوج السياحة المكسيكي، وواقعة سقوط الطائرة الروسية ومقتل الطالب الإيطالي “ريجيني” بعد تعذيبه، والذي بسببه قامت إيطاليا باستدعاء سفيرها من مصر مهددةً باتخاذ إجراءات صارمة ما لم يتم كشف الحقيقة، وما صاحب كل تلك الوقائع من تخبط وتضارب في البيانات والتفسيرات من الجهات المصرية الرسمية، والتي قد تتسبب في دخول مصر في أزمة دبلوماسية كبيرة، بخلاف ضرب السياحة في مقتل. ثم تأتي قضية عزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات دون إدانة جنائية في سابقة هي الأولى من نوعها، وأخيراً وليس آخراً، قضية التنازل عن سيادة مصر على جزيرتي “تيران” و”صنافير” لصالح المملكة العربية السعودية، القضية التي لاقت ردود أفعال وغضبا شعبيا كبيرا أدى إلى تظاهرات بعدد من المحافظات وبوسط القاهرة في يوم الجمعة الموافق 15 أبريل 2016، فيما عرف باسم “جمعة الأرض” المصطلح الذي لاقى تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، ونتج عن أحداث ذلك اليوم إلقاء القبض على عدد من المشاركين بالتظاهرات بعد مواجهات مع الأمن.
مواجهات داخلية:
وفي خضم تلك الأحداث الجارية، تتصاعد المواجهات الداخلية بين بعض المؤسسات الأمنية والتي باتت معلنة بشكل كبير بعد الانتخابات البرلمانية ومن خلال بعض المنابر الإعلامية أو الشخصيات العامة المحسوب بعضهم على تلك الجهات بشكل أو بآخر. ما يشير بقوة إلى انهيار التحالف الحاكم بعد 30 يونيو بشهادة عدد من مؤيديه.
وقد كان وصول الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” إلى الحكم عن طريق الانتخابات الرئاسية في 2014، ورغم العديد من التحفظات لبعض الرموز والقوى السياسية على قوانين وإجراءات الانتخابات إلا أنها كانت بدون منافسةٍ تذكر، والتي سبقها وجوده فعليا في الحكم على رأس المؤسسة العسكرية كوزير للدفاع ونائب أول لحكومة الرئيس المؤقت السابق “عدلي منصور”، بعد عزل الرئيس الأسبق “محمد مرسي” المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، في يوليو 2013.
لغة الخطاب:
في خطابه يوم الأربعاء، الموافق 13 أبريل 2016، والذي استمر لما يقرب من 90 دقيقة أمام مجموعة تم اختيارها بشكل غير معلن تحت اسم “ممثلي المجتمع المصري” ردد الرئيس عبد الفتاح السيسي، كلمة “أنا” حوالي 103 مرة، حيث بدأ “” الكلمة بـ “أنا رجل شريف” واختتم الكلمة بـ”أنا مادتش الإذن لحد أنه يتكلم”. ومن بين الجمل التي بدأها بكلمة “أنا” جُمل مثل “أنا قولت، أنا قررت، أنا طلبت، أنا مستعد، أنا هعمل، أنا مابسمعش، أنا سألت كل الناس”، بالإضافة إلى جمل أخرى بدأها بـ “أنا” ثم تراجع عنها وحولها إلى “إحنا”.
وقد اشتهر “السيسي” بتصريحاته العاطفية أحياناً والمثيرة للجدل في أحيان أخرى والتي عادةً ما يتم تداولها بصيغة ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أدى ذلك إلى إعلان غضبه على بعض مستخدمي الإنترنت والمنابر الإعلامية في أكثر من مناسبة، وحديثه عن ما يسمى “بحروب الجيل الرابع” واعتراضه على وسائل نشر المعلومات، مثل قوله“أنا ممكن بكتيبتين أدخل على النت واعملها دائرة مقفولة والإعلاميين ياخدوا اخبار وشغل منها”.
دوام الحال من المحال:
نشر مركز “ستراتفور” تقريراً عن الجسر البري المزمع إنشاؤه بين مصر والمملكة العربية السعودية، موضحاً أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة حذر السيسي مسبقاً من نقل السيادة على الجزيرتين للسعودية، لأن ذلك “سيمس بالكرامة الوطنية وسيؤدي لإغضاب الرأي العام المصري”.
ومركز “ستراتفور” هو مركز دراسات استراتيجي وأمني أميركي من أكبر المؤسسات الخاصة المعنية بقطاع الاستخبارات، ويطلق عليه أحياناً في الصحافة اسم “مخابرات الظل الأمريكية” (The Shadow CIA)
وبمناسبة هذا التقرير الهام المشار إليه، هناك تحليل منطقي بأن الجيش قام بالتدخل من قبل “مع مبارك ومرسي” للحفاظ على مصالح وتوازنات في رأيهم أنها لازمة لحفظ استقرار البلاد -واستقراراهم كمؤسسة عسكرية- حيث يقوم بعمل ما يشبه مائدة مفاوضات يضم إليها أي كيان أو جهة لها وزن سياسي أو لها نفوذ مؤثر، وحتى الآن لا يوجد تحالف أو مظلة تجمع أو تمثل المصالح الشعبية، بعكس الأجهزة الأمنية ودوائر رجال الأعمال، الممثلة دائماً كلاعبين ثابتين في المضمار السياسي بمصر.
وفي ظل ما سبق ذكره، ومع تفاقم مشاكل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ووعود سياسات التقشف ورفع الدعم وأزمات صيف 2016 المتوقعة، وفي ظل انهيار التحالف الحاكم بعد 30 يونيو، فقد لا يشهد الرئيس عبد الفتاح السيسي نهاية فترته الانتخابية. إلا إذا حدثت معجزة ما!