الأحد، 25 ديسمبر 2016

شراكة شائكة بين 4 عمالقة لمنع انتشار المحتوى الإرهابي


شراكة شائكة بين 4 عمالقة لمنع انتشار المحتوى الإرهابي



- ‎فيشركات

 التعليقات

شراكة شائكة بين 4 عمالقة لمنع انتشار المحتوى الإرهابي
أعلنت شركات “فيس بوك” و”تويتر” و”يوتيوب” و”مايكروسوفت” في وقت سابق من هذا الشهر عن بيان شراكة لإنشاء قاعدة بيانات مركزية تراقب المحتوى الذي يروج للإرهاب والعنف، بحيث يتم حذف المحتوى الموسوم بالترويج أو الدعوة للعنف أو للإرهاب في مواقع أي شركة منهم في حال مخالفة ذلك المحتوى لشروط الموقع وفقا للبيان.
وتعتمد الشركات الأربعة في مراقبة المحتوى على التكنولوجيا العبقرية التي طورتها مايكروسوفت لكشف محتوى الأطفال الإباحي، وذلك بتسجيل بصمة لأي مادة مصورة على الإنترنت PhotoDNA ثم وسم المواد المصورة ببصمة خاصة بها وباستخدام آلية مطورة لا يمكن الالتفاف حولها بأي طريقة سواءً كانت تعديل حجم أو شكل تلك المواد، وبذلك يمكن تعقب المواد التي تم تسجيل بصمتها على أي موقع وبالاعتماد على قاعدة بيانات المركز الدولي للبحث عن الأطفال المفقودين والمُستغلّين NCNEC، وتحتوي قواعد البيانات على بصمات Hash لتلك المواد المصورة وليس المواد المصورة ذاتها.

من سيقوم بتحديد إذا ما كان المحتوى يروج للعنف أو الإرهاب؟

رغم وعود الاتفاقية بحماية بيانات المستخدمين لكن بالطبع هناك تخوفات مشروعة بخصوص إمكانية استخدام نفس الآليات للمراقبة والتجسس على خصوصيات المستخدمين، وهناك عواقب متوقعة لهذه الاتفاقية وأهمها نقطتين:
-أولًا: أن المحتوى الإباحي للأطفال لا خلاف عليه حيث أنه له تعريف موحد ومباشر لدى كل الجهات، بعكس مصطلح الإرهاب، فما قد تعتبره بعض الدول أو المؤسسات إرهاب، قد تعتبره غيرها مقاومة أو نزاع أو غيرها من مسميات، علاوة على الاستغلال السياسي المستمر لذلك لمصطلح المطاطي، خاصةً بعد أحداث سبتمبر 2011. ناهيك عن إمكانية منع نشر مواد للصحافة أو للبحث في نفس السياق.
ثانياً: لا يوجد أي ضمان لعدم استغلال وكالة الأمن القومي الأمريكية NSA وغيرها من أجهزة أمنية لقاعدة البيانات والتكنولوجيا المذكورة للتجسس على كل المواقع وأي محتوى على الإنترنت ومواقع التواصل.
وبفرض أن قامت الشركات بحماية خصوصية بيانات المستخدمين، فوكالة NSA وجهاز الاتصالات الحكومي البريطاني GCHQ لديهم من الإمكانيات ما يتيح لهم اختراق تلك الحماية وهو ما يضع أي شركة لتكنولوجيا المعلومات في تخوف شديد من أي شراكة محتملة مع الحكومة الأمريكية فيما يعرف بتأثير “سنودن” The Snowden Effect، نسبةً إلى الموظف التقني السابق بوكالة الأمني القومي الأمريكية، “إدوارد سنودن” وتسريباته المشهورة والتي تعتبر أكبر تسريبات في القرن الجديد، والتي أثبتت أن عدداً من الأجهزة الأمنية على رأسها وكالته السابق، تقوم بالتجسس على كل العالم تقريبًا – مواطنين ومسئولين – بتكنولوجيا وآليات خارقة.
تعتبر التكنولوجيا الحديثة سلاح ذو حدين، وفي العديد من الأحيان يكون التطبيق النظري هادف للمثالية ولكن أرض الواقع تختلف كثيرًا، لذلك ينبغي على كل المهتمين والمسئولين النقاش أكثر حول استخدام الآليات الشبيهة لوضع تعريف مباشر لأي مصطلح ووضع الضمانات الكافية لحماية خصوصية بيانات المستخدمين.

الأربعاء، 14 ديسمبر 2016

أحمد فؤاد يكتب: اربح الجائزة خارج الصندوق

من أشهر العبارات التي يتم استخدامها في مختلف المواقف هي جملة “التفكير خارج الصندوق” والتي غالبًا ما تشير إلى الرغبة في الخروج عن إطار التفكير النمطي، لبحث منطق الأمور من زاوية أوسع قد تتيح رؤية معطيات لم تكن بداخل ذلك الصندوق من الأفكار.. بل وقد تتيح رؤية الحقيقة، أن حدود ذلك الصندوق هي الوهم.


وعلى الرغم من استخدام تلك الفكرة أو العبارة بابتذال أحيانًا، إلا أن “القولبة – الوضع في قوالب جاهزة” هي فعلًا سمة العصر الخبيثة التي زادت مع التطور في وسائل التكنولوجيا، فالكبار يريدونك في قالب واضح سهل التصنيف وداخل حزمة واحدة يمكن ترغيبها أو ترهيبها كمجموعة. الكبار من المعلنين وأصحاب المنتجات في كل الأسواق وكبار المسؤولين والسياسيين، كلما كنت داخل إطار ذي سمات واضحة كلما كان أسهل عليهم التعامل معك أو التحكم في رغباتك أو في شخصك وقت الاحتياج.
داخل الصندوق:
فأنت في النهاية مجرد مواطن ومستهلك إذا لم تكن من الطبقة الحاكمة أو طبقة “البيزنس” وبالتالي يجب أن يتم تصنيفك مع أو ضد، ومؤيد أو معارض، وعلماني “في أقوال أخرى لا ديني” أو إسلامي، وعسكر أو إخوان، وعلى نفس الوزن غني أو فقير، تسكن المناطق الشعبية وتضطر للبحث عن السلع الرخيصة رديئة الجودة وألوان من الموسيقى والأفلام الهابطة أم من سكان “الكامبوند” وتهوى الأطعمة الفاخرة المستوردة والموسيقى التي تدعي أنها حديثة أو راقية وغير ذلك من تصنيفات. أما من تقع اختياراتهم في المنتصف أو من لم يتم تصنيفهم في أحد الصناديق بعد، فهم يمثلون مشكلة لأصحاب التصنيفات بسبب أنهم لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم واختياراتهم.
كاد أن يرسب في الاختبار صاحب تفسير “كوبنهاجن” الشهير في ميكانيكا الكم والحائز على جائزة نوبل، الدنماركي “نيلز بور” عندما حاول التفكير خارج الصندوق في إجابة أحد أسئلة اختبارات الفيزياء بالجامعة والذي يطلب حساب طول ناطحة سحاب باستخدام “الباروميتر – أداة لقياس الضغط الجوي” والإجابة التي ينتظرها الممتحن هي حساب الفارق بين قياس الضغط الجوي على الأرض وأعلى ناطحة السحاب، ولكن إجابة “بور” كانت أن يربط الجهاز بحبل طويل حتى يلمس الأرض ثم يقيس طول الحبل! ولكنه بعد ذلك أجاب عدة إجابات صحيحة، يمكن قراءة القصة هنا.
بالطبع تزداد أهمية “القولبة” في المجتمعات المتقدمة نظرًا لاحتياجات السوق القائم على الاستهلاك، ومع تطور الإنترنت ظهرت أدوات عملاقة تقوم بهذا الدور وحتى بدون أن يعلم المستخدمون، مثل بعض مواقع وأدوات التواصل الاجتماعي – أشهرها موقع “فايسبوك” – والتي تقوم بجمع بيانات واهتمامات المستخدمين بكل الطرق المتاحة بل وأكثرها غرابة – تصل أحيانًا لتسجيل المحادثات الخاصة المكتوبة والمنطوقة لاستخدام كلمات مفتاحية منها للتسويق، بخلاف أي استخدامات يتم إتاحتها لأجهزة الأمن والاستخبارات طوعًا أو كراهيةً كما ظهر للعالم من خلال أهم تسريبات القرن الجديد للموظف التقني السابق بوكالة الأمن القومي الأمريكية، “إدوارد سنودن” في 2013.
ومع استمرار بث أفكار “القولبة” من خلال كل ما هو متاح من أدوات إعلامية، تحول التفكير في شئون الحياة إلى طريقة أسهل من وجهة نظر البعض وهي التعامل مع مجموعة من الصناديق المعروف والمصنف محتواها. وبالطبع يزداد عدد المواضيع التي تحتاج إلى صناديق في الدول الأقل تحضرًا بسبب انخفاض نسبة الثقافة والتعليم مع الانتشار المقابل لأدوات التجهيل والصوت الواحد، فمثلًا لدينا في مصر صناديق في كل مكان، في السياسة وفي الاقتصاد وفي الدين بل وحتى في التاريخ، فعندما تتحدث عن اتجاه تطوير الصناعات المحلية في عهد عبد الناصر، إذن فأنت ناصري أو أنك ترى أنها حقبة جيدة، وإذا تم الإشارة لقيمة الجنيه المرتفعة مقابل العملات في عهد الملكية، إذن فإنه العصر الذهبي! وإذا تحدثت عن السياسات الكارثية والقرارات الخاطئة المسجلة تاريخياً في حرب أكتوبر، فأنت تراها هزيمة! وهكذا، حتى في الأحداث المعاصرة التي يتم تدوينها وتوثيقها بعشرات الآليات الخاصة بالعصر الحديث، فتجد أن القالب العام الذي تصيغه معظم منابر الإعلام هو قالب مؤيد للدولة مهما أخطأت أو أجرمت أجهزتها، ومن يخالف ذلك هو خائن -جاسوس- كافر أو متطرف دينيا “حسب توجه الأطراف الحاكمة”.. فإذا لم تؤيد المشروعات العملاقة اسمًا -والمشوية رائحةً- وتفرح مع مصر بالإنجازات الاقتصادية الزائفة وترتدي القناع الديني القشريّ، وتُحيّي الهلال مع الصليب في الاحتفالات والأغاني، فقد تقع تحت طائلة أحد التصنيفات السابقة، ولتجنب ذلك يجب أن تقع اختياراتك في أحد لونين لا ثالث لهما. 
الخروج من الصندوق:

مرت العديد من الدول بتجارب مريرة بالخضوع لصندوق النقد أشهرها تجربة الأرجنتين، بعكس تجربة ماليزيا الناجحة والتي قاومت تدخلات صندوق النقد ورفضت مساعداته بعد الأزمة المالية في عام 1997، وتراجُع البورصات وتضخُم الديون الخارجية وفقد العملة المحلية “الرنجيت” ما يقرب من نصف قيمتها، فتم تشكيل المجلس القومي الاقتصادي بقيادة مهاتير محمد وتغيير السياسات وفرض قيود على حركة رؤوس الأموال للخارج وجدولة المديونيات وغيرها من استراتيجيات ناجحة، وعاد النمو الاقتصادي الماليزي بقوة في عام 2000.

وعلى ذكر تعدد الصناديق، فأحد الصناديق الهامة التي عادت للظهور في المشهد المصري هو صندوق النقد والذي عندما يقوم بإقراض الحكومات يتخذ الضمانات اللازمة لمنع استخدام تلك القروض في رفع معاناة أغلب السكان، حيث إن ما يسمى كذبًا بالإصلاح هو خفض أي إنفاق للدولة على الفئات الأقل دخلًا والتي تمثل الغالبية العظمى من الشعب، وتضمن سياسات صندوق النقد والبنك الدولي استخدام الموارد بشكل يقوم بتحجيم إمكانية الدول الفقيرة أو المتوسطة الدخل من اللحاق بركب الدول الغنية وليتحول الدخل القومي إلى مجرد رقم ريعي لاستثمارات أجنبية لا تدعم الصناعات المحلية حتى لا تنافس الكبار في أسواقهم الاستهلاكية ودول العالم الثالث، وتخرج الدول مديونة بمبالغ أكبر وتنازلات أكثر. للمزيد يمكن البحث عن اعترافات قاتل اقتصادي لـ “جون بيركنز”.
والخروج من الصندوق بالطبع ليس المقصود به صندوق النقد فقط، حيث إن الاقتصاد ليس هو السياق الحالي في موضوع المقال، وحيث إن الخروج من الصندوق الاقتصادي القاتم الحالي يتطلب سياسات مختلفة تمامًا عن آليات الاقتراض والسياسات المتّبعة. سياسات تبدأ بالشفافية والمكاشفة وإيقاف نزيف الأموال والموارد المهدرة ومحاسبة الفاسدين ووضع رؤية حقيقية لدعم الصناعات المحلية ورفع مستوى المعيشة عن طريق العدالة الضريبية وغيرها من مقترحات وخطط كاملة تم طرحها من مختلف الاتجاهات في عشرات المقالات الصحفية والأوراق البحثية.
ولكن الخروج الحقيقي من الصندوق هو التنازل عن سياسة التصنيف ولو قليلًا وإعطاء الفرصة للعقل البشري أن يعمل لما خُلق له ببحث وتمحيص كل الاحتمالات واختيار ما يناسب صاحبه من كل صندوق حتى لو تم تصنيفك داخل كل الصناديق.
الثنائيات:
يمكن أن تؤيد ثورة يناير وترفض ما تم من استغلال وتشويه لها من الأطراف المنتفعة، ويمكن أن تكون محبا للوطن وترفض تدخل المؤسسة العسكرية في الاقتصاد وإدارة شئون الحياة، ويمكن أن تعارض وتواجه سياسات الإخوان والموالين لهم وفي نفس الوقت ترفض ما يحدث ضدهم من قمع وقتل، يمكن أن تدين وتواجه الإرهاب وتحزن من أجل من يتم قتلهم بصورة شبه يومية وفي نفس الوقت تدين سياسات الدولة التي تعمل على تأجيج نيران الفتن والقبلية بدلًا من أن تحارب الإرهاب بحق، ويمكن أن تطالب بالشفافية ونشر المعلومات -بدلًا من التعتيم الذي يصل لمنع بث جلسات البرلمان- ولا يتم تصنيفك بعدو للأمن القومي، يمكن أن تنقد المشاريع والسياسات القائمة وتؤيد الدور الإيجابي لمؤسسات المجتمع المدني ولا يتم تخوينك أو اتهامك بالعمالة، ويمكن أن تحارب أفكار خصمك وتحارب أيضًا من أجل العدالة في معاملته خاصةً عندما يكون هو الطرف الأضعف، فلا تدري بأي جانب من المائدة ستكون في اليوم التالي، يمكن أن تطالب بالمساواة في تطبيق القوانين وبالاستقلال والعدل في المحاكمات ولا يتم اتهامك بإهانة القضاء، ويمكن أن تقول رأيك بحرية وبدون تحريض أو إلحاق ضرر بالغير ولو حتى في الأمور الدينية ولا يتم اتهامك بازدراء الأديان!
باختصار وبدون سرد المزيد من الثنائيات المشهورة، يمكن أن تراجع قناعاتك واختياراتك طالما أنها قائمة على تبني مبادئ عادلة، ويمكن أن تخرج من الصندوق وتربح أهم جائزة وهي الحفاظ على ما تبقى لك أو لغيرك من إنسانية.


الأربعاء، 9 نوفمبر 2016

الحلم المصري، هل يمكن تحقيقه؟ (تقرير حالة)

الحلم والكابوس:


حلم أي إنسان بسيط هو القدرة على أن يعيش في سلام، بدون ضغوط نفسية وفي مجتمع متحضر، يضمن توفير الحقوق الأساسية ومتطلبات الحياة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وتعليم وعلاج. هل هذا كثير؟ وهل يمكن تحقيق ذلك في مصر؟


في مصر، كابوس، مشاكل عمرها سنوات وتزداد يومياً لتمنع تحقيق هذا الحلم البسيط، وعلى مدار تلك السنوات حدثت العديد من التغيّرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكلما ازداد الوضع سوءً كلما ابتعد تحقيق الحلم، فتحدث انفجارات جماهيرية غاضبة وانقسامات في المجتمع ويزداد انحدار الأخلاقيات، ورغم ذلك ترى المسئولين والحكام يتهمون الشعب ويحمّلون غالبية المواطنين أسباب التدهور وفواتير فشل الإدارة، وترى آراء ونصائح "محمد صبحي ستايل" على وزن (حديقتي نظيفة - ابدأ بنفسك - المشكلة في الشعب - احنا شعب أخلاقنا كذا...) إلى آخره من هراء يروجه الحكام وإعلامهم ومريديهم والمستفيدين من بقائهم في الحكم، ويتم ترسيخه في نفوس الأغلبية من المتضررين من الحكم.
"يوجد نوعان من الحكومة... حكومة يجيء بها الشعب فهي تعطي الفرد حقه من الاحترام الإنساني ولو على حساب الدولة، وحكومة تجيء بها الدولة فهي تعطي للدولة حقها من التقديس ولو على حساب الفرد" –  من رواية نجيب محفوظ: (الشحاذ)
...رغم أن المشاكل في الأصل بسبب سوء الإدارة وغياب الرقابة وهو ما أنتج فساد وأدى إلى إفساد وغياب للعدالة والمساواة، مع نسج المزيد من القوانين المهلهلة التي تخدم بقاء النظام مهما تغيرت الأوجه، فيبقى الهيكل الفاسد، بشرط تقديم فروض الولاء لضمان مصالح مراكز القوى العالمية والإقليمية وبالطبع المحلية، فيكون البقاء "بالداخل والخارج" لسياسات الحفاظ على مصالح الكبار.
من هم؟
كبار "البيزنس" المحتكرين وأصحاب المليارات وحيتان الأراضي والبترول ومنهم الحكام ودوائر المسئولين، يعملون باستمرار على ضمان السيطرة على مقدرات الأمور، لأنفسهم ولأولادهم ولجيرانهم ولأحفادهم وكل من سيكون في موضعهم، يضمنون بقاء نفس الامتيازات والصلاحيات ويعتبرون موارد البلد حقًا أصيلًا ومكتسبًا لهم بالوراثة، ولو تبقى أي فتات للشعب يقولون إنه ليس في الإمكان أفضل مما كان.
رغم أن ما كان وما يحدث من أزمات بسبب الطمع والجشع والفساد، ورغم أن ثورة يناير قامت ضد الظلم وافساد وزكاها الغضب، ولكن الثورة وسيلة وليست غاية، فالثورة من معناها، أنها انتفاض ضد أوضاع غير مقبولة، ولكن لا يوجد ترابط بين الثورة ووجود سيناريوهات حلول للمشاكل، وكل التجارب التي تم خوضها والأفكار اللي تم طرحها بعد الثورة هي نتاج تكوين وعي جمعي عن المشاكل المذكورة، ورغم أهمية الخبرات المكتسبة من تلك التجارب ووجاهة بعض الحلول المطروحة للأزمات السياسية والاقتصادية، إلا أن شبكات المصالح  - والتي عمرها سنوات - يصعب أن تسمح بتنفيذ أي حلول حقيقية لمشاكل الشعب، لأن الحلول ببساطة متعارضة مع مصالح تلك الشبكات، ولذلك يتحدون سوياً ضد تنفيذ أي حل منطقي، رغم أنهم في الأساس بينهم علاقات معقدة وخلافات كبيرة "على السبوبة" ورغم أن معظمهم تنظيمات أقرب للعصابات ولكن تَجمعهم مصالحهم، ولذلك يلزم لغالبية الشعب أن تجمعهم مصالحهم أيضًا، مهما كانت الاختلافات. وطالما تكررت كلمة غالبية، فلننظر إلى الأرقام لنرى أوضاع الغالبية.

حقائق وأرقام:
1.                  الأعداد والإنفاق اليومي "الناس بتصرف كام": نصف السكان فقراء، وثلثي النصف الآخر في أدنى درجات الطبقة المتوسطة. الأغلبية فقراء:
·                     مصر دولة عدد سكانها الرسمي في أكتوبر 2016، تجاوز 91.8 مليون فردًا، طبقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، وهذه الإحصائية لم يتم تحديثها منذ عام 2006 وتعتمد على متوالية هندسية لحساب معدل الزيادة السكانية منذ وقتها، مع العلم أن تلك الاحصائية لم تتضمن الكثير من العشوائيات والمناطق الحدودية. والتقديرات أن العدد الحقيقي يتجاوز 100 مليون بخلاف المصريين بالخارج التي تفيد التقديرات أيضًا أنهم يتجاوزون 10 مليون فردًا. حسنًا، البقاء مع الاحصائيات الرسمية يجعل واقع الأرقام أقل رعبًا.
·                     الأرقام الصادرة من الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء في (كتاب الإحصاء السنوي) لعام 2016 و(بحث الدخل والإنفاق) لعام 2015، تفيد أن عدد الأسر التي معدل إنفاقها الشهري يتجاوز 4160 جنيه، تمثل نسبة 15.7% من الأسر المصرية، وأن عدد الأسر المصرية هو 20.1 مليون أسرة، وبذلك يصبح متوسط عدد أفراد الأسرة "مجازًا" هو 4.6 فردًا، بمعني آخر، عدد الأفراد الذين يقل معدل إنفاقهم الشهري عن 904 جنيه، يتجاوز 75 مليون فرد.
·                     خط الفقر العالمي هو الدخل اليومي الافتراضي الذي يوفر أدني مستوى معيشة للفرد بدون الكثير من الأساسيات، وهو رقم متغير مرتبط بالدولار وقوته الشرائية، ارتفع عام 2015 ليصل إلى 1.9 دولار في اليوم، وفي 2016 بعض التقديرات رفعته إلى 2 دولار في اليوم، وهناك عدة تعريفات لخط الفقر، منها خط الفقر المدقع بمعني استحالة توفير متطلبات الحياة. ويوجد خط الفقر المصري والذي تحتسبه الدولة حالياً بمبلغ 16 جنيهاً في اليوم، هذا وقد أجرى مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار ومركز العقد الاجتماعي، التابعين لمجلس الوزراء المصري، دراسة عام 2014 أفادت بأن نسبة الفقراء في مصر 80% من السكان، وفقا لأهداف الألفية التي حددتها الأمم المتحدة!
وبالعودة لأرقام جهاز التعبئة والإحصاء، نجد أن نسبة أعداد المصريين تحت خط الفقر المصري في عام 2015 بلغت 27.8% من عدد السكان المسجلين، بمعني آخر على العدد الحالي للسكان، يوجد أكثر من 30 مليون مواطن/ة تحت خط الفقر بشكل رسمي، بدون النقاش حول تعريفات خط الفقر والتضخم والزيادة المستمرة في أسعار الدولار والسلع الأساسية.
·                     وأخيرًا وبدون التطرق لأكثر من ذلك عن أرقام الفقر المفزعة، نٌشرت العام السابق دراسة من وزارة التخطيط وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أفادت أن  47% من المشتغلين بالقطاع الخاص "غير الرسمي وغير النظامي" يعيشون بأقل من دولار في اليوم!
2.                  من يدفع الضرائب؟ وهل يدفع الكبار؟ معظم الضرائب من موارد الشعب. ثروة الأغلبية:
في عام 2014، نشر الباحثان رضا عيسى وعمرو عادلي، تقريرًا عن الضرائب من واقع بيانات الموازنة أفاد أن الهيئة المصرية العامة للبترول وهيئة قناة السويس أسهمتا بنحو 70% من إجمالي ضرائب شركات مصر، علمًا بأنهما مملوكتان للشعب المصري. فأين مساهمة باقي الشركات؟!
وأفاد التقرير أيضًا بأن جملة ما ساهمت به الشركات في الفترة (2008-2012) لا يتجاوز 7% فقط من إجمالي إيرادات الدولة، وفى مقابل النسبة الهزيلة التي تؤديها الشركات، ساهمت ضرائب دخول الأفراد بنحو 9% من إيراد الدولة عن نفس الفترة، والجزء الغالب منهم هو الموظفين والعمال بالقطاعين الخاص والعام، وأسهمت الضرائب غير المباشرة "مثل الجمارك وضريبة المبيعات" بحوالي 46% من إجمالي الإيرادات الضريبية. وهذا بالطبع قبل تطبيق ضريبة القيمة المضافة في عام 2016، والتي تزيد من إيرادات الحكومة وأعباء الأفراد.
3.                  الصحة والتعليم: نسبة كبيرة من الأغلبية مريضة أو مجهلة:
·                     بالعودة مرة أخرى لأرقام جهاز التعبئة والإحصاء، نجد أن معدل الأمية في مصر تصل نسبته الحالية إلى 29.7% من السكان، وهو إحصاء قائم على حصر أمية القراءة والكتابة، ناهيك عن الخوض في تفاصيل التعليم الجامعي أو المتوسط.
ورغم ذلك، في أحد تصريحاته، ذكر حلمي النمنم، وزير الثقافة، أن مصر تُصنّف كواحدة من الدول التي ترتفع فيها نسبة الأمية على مستوى العالم وتصل إلى 40%، فضلًا عن الأميّة الثقافية. وهذا التصريح أقرب للواقع عند مطابقته باحتلال مصر المراكز الأخيرة في التعليم على مستوى العالم في تقارير التنافسية.
·                     أما عن الأمراض، نسأل لله الوقاية من شرورها جميعًا ونسأله الشفاء لكل مريض، أشارت إحصائيات منظمة الصحة العالمية وبعض المنظمات المهتمة، إلى أن أعداد المصابين بمرضى السكري في مصر وصلت إلى 11 مليون مواطن خلال  السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى الزيادة المستمرة في أعداد المصابين بفيروس التهاب الكبد الوبائي التي بلغت نسبتها 22% من المصريين، ونسبة مرض الفشل الكلوي 10% وضعف جهاز المناعة 40% وأمراض الصدر 15% والأمراض النفسية 14% والسرطان 11%.
أكتفي بهذا القدر من عرض الأرقام المؤلم، الذي هو حال الأغلبية في مصر.
من المسئول؟ الإهدار والفساد وسوء الإدارة:
·                     في مارس 2016، صدر قرار رئاسي بإقالة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، "أكبر جهاز رقابي في مصر" على خلفية تصريحاته بكشف وقائع فساد تجاوزت قيمتها 600 مليار جنيه مصري خلال عام 2015 وحده، علمًا بأن حقيقة التصريحات تشير إلى بحث وقائع الفساد في 4 سنوات، وأن الأرقام الحقيقية تتجاوز ذلك المبلغ بكثير! فضلًا عما أثاره ذلك القرار عن مدى قانونية ودستورية إقالة رئيس الجهاز، وهو أمرٌ مازال منظورًا في ساحة القضاء، وصاحبه تحريك دعوات لحبس المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي  للمحاسبات الذي تمت إقالته.
·                     في أكتوبر 2015، تم تغيير هشام رامز، محافظ البنك المركزي، وما أثير في وقتها أن ذلك تم بسبب تصريحاته عن إهدار جزء من احتياطي الدولار على حفر تفريعة قناة السويس، وتم تعيين طارق عامر بدلًا منه "ابن شقيق عبد الحكيم عامر"، والذي حدث في عهده نقص حاد مع أزمة طاحنة في سوق العملة وارتفع سعر الدولار في السوق الموازية إلى أن تجاوز 18 جنيهاً في السوق السوداء، ذلك قبل قرار تحرير سعر الصرف الصادر في 03 نوفمبر والذي بدأ من 13/14 جنيهًا، وتجاوز 17 جنيهًا للدولار الواحد.. لحظة كتابة السطور
·                     بلغ الدين المحلي حوالي 2.49 تريليون جنيه بنهاية مارس 2016، أما الدين الخارجي بلغ 53.4 مليار دولار بحسب تقرير البنك المركزي المصري، أي أن الديون تتجاوز نسبة 100% من الناتج المحلي. ورغم ذلك مازالت سياسات الاقتراض مستمرة!
وبلغت فوائد الديون طبقًا لموازنة 2016/2017 حوالي 292.5 مليار جنيه، أي أنها تتجاوز مخصصات الأجور لحوالي 6.5 مليون عامل بالحكومة، "والتي تبلغ 228 مليار جنيه"، وتفوق مخصصات التعليم والصحة والاستثمارات العامة (التعليم 104 مليار جنيه، الصحة 50 مليار جنيه، والاستثمار 107 مليار جنيه).
·         بلغ عجز الموازنة للسنة المالية 2016/2017 حوالي 319.46 مليار جنيه، وهو رقم غير نهائي وقابل للزيادة مع ارتفاع سعر الدولار وفشل التخطيط وسوء التقدير الواضح في إعداد تلك الموازنة.
علمًا بأنه نُشر تقرير عن البنك المركزي يوضح أن مصر تلقت 29 مليار دولارًا كمساعدات منذ 2011! فأين ذهبت تلك الأموال؟
·                     جاءت مصر في المرتبة الأخيرة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمركز الـ 110 من 113 دولة عالميًا في مؤشر سيادة القانون، الذي يعده مشروع العدالة العالمي، المؤشر الذي يراعي عدة عوامل منها القيود على سلطات الدولة، غياب الفساد، الحقوق الأساسية، النظام والأمن العام، قوة إنفاذ القانون، العدالة المدنية والعدالة الجنائية.
·                     كل الأرقام المذكورة من واقع تقارير موثقة ولكنها لم تأخذ في الحسبان السعر الجديد للدولار والنتائج المترتبة عليه من زيادة في معدلات فوائد الديون والتضخم وزيادة عجز الموازنة بالسعر الجديد، ولم يتم بالطبع حساب نتائج القرار الأخير الخاص برفع سعر المحروقات والذي ينبئ بزيادة الأزمة الاقتصادية الطاحنة برفع أسعار البنزين والسولار وغاز الطهي، ومردود ذلك على ارتفاع كافة أسعار السلع والخدمات... القرار الذي أتى كمحاولة للدخول في جدول اجتماعات صندوق النقد في 07 و 09 نوفمبر 2016، للحصول على الدفعة الأولى من القرض المطلوب بعد تحقيق كافة شروط الصندوق، حتى ولو حساب الغالبية المطحونة من الشعب المصري.
"مصر مرشحة، في ظل خيارها، ليس بين السيئ والأسوأ، بل بين الأسوأ والأكثر سوءاً لتتحول في النهاية من مكان سكن على مستوى وطن إلى مقبرة بحجم الدولة" – من كتاب شخصية مصر، للمؤرخ المصري جمال حمدان
يسألونك عن الثورة، مرة أخرى:
عند النظر إلى حال معظم الأسر المصرية، سيجد الناظر أن مهارات تلك الأسر في الإدارة والاقتصاد أفضل كثيرًا من مهارات العديد من المسئولين والحكام، فيكفي أن تلك الأسر تدير شئون حياتها ومعيشتها في ظل أصعب الظروف، والتي تم ذكر بعضها في السطور أعلاه، وفي ظل ندرة أو انعدام الموارد.
ورغم صعوبة الحياة بهذا الشكل، تقوم تلك الأسر عادةً بدعم المؤسسة أو الحاكم الذي يعدهم بالاستقرار، حتى ولو كان الوعد ظاهرياً، وحتى ولو بدون برنامجًا حقيقياً، مشروع نهضةً كان أو حتى لمباتِ موفرةِ وعربات خضار. ولكن عندما تهتز تلك الوعود، وتتمخض الحياة لتفرز المزيد من الأعباء على كاهل تلك الأسر من زيادة أسعار سلع أساسية ونقص حاد في بعضها ورداءة أو انعدام الخدمات مع ارتفاع أسعارها أيضًا، وخفض للدعم ورفع أسعار المحروقات، وركود على الأبواب كضربة قاسمة لما تبقى من محركات الاقتصاد "الاستهلاك المحلي"، مع تغول الأجهزة الأمنية والذي يصاحبه "ويالا العجب" انفلات أمني وزيادة أحداث العنف والقتل و"بعبع" الإرهاب، وفي ظل تلك الأرقام الكارثية التي تم ذكرها في المقال، فضلًا عن الكثير من الاحصائيات المرعبة التي لم يتم ذكرها والتي يتم رصدها بصفة يومية في مختلف الملفات، والفشل التام في التعامل مع ملفات السياسة الخارجية وانسحاب الدعم الخليجي من المشهد،  فلابد أن ندرك أن الانفجار قادم لا محالة ولا يمكن التنبؤ بموعده ولكن يمكن رصد أمواجه التمهيدية، والاستعداد له، أما مراكز القوي فتعيد ترتيب أوراقها لمحاولة امتصاص أثار الانفجار المتوقعة، وإعادة تدوير النظام بوجوه جديدة، "كما هو ملحوظ من ذعر واشتباك المنابر الإعلامية والأشخاص المحسوبين على جهات معروفة يطلق عليها سيادية"، وأما الخاسرون فيحاولون القفز من السفينة أو يغرقون تحت الأمواج.
ما هو الحل في ظل غياب أي تنظيم يمثل مصالح الأغلبية الجماهيرية؟
بما أن أهم دروس يناير المستفادة هي ضرورة التنظيم والتجمع تحت مظلة تمثل حقوق المواطنين، فإن السبيل لذلك هو التمسك بالأولويات الواجبة التحقيق، لضمان مصالح غالبية الشعب المصري وحقوق المهمشين، ووجوب التأكيد على أن أي نظام قائم أو قادم لن يستمر بدون تفعيل الدستور والقوانين بحق ولو كانت نصوصهم تحتاج لتعديلاتٍ عديدةٍ ومساواة جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، مع تفعيل الرقابة والشفافية في ظل الفساد الذي زكمت رائحته الأنوف واغتُصِبت في ظلماته موارد الشعب لصالح فئات قليلة من المحاسيب وانعدمت العدالة الاجتماعية وانهارت المؤسسات ووجب إعادة بنائها. ويمكن الضغط في ملفات محددة (مثل ملف الإهدار والفساد كفرع من شجرة الاقتصاد الجافة) وتكثيف حملات مبتكرة لانتزاع مكاسب بعينها لا تعتمد على شخص الحكام أو سياسات الأنظمة المذكورة وألعاب السُلطة، فالثورات لا تنتصر بالضربات القاضية، والرهان الأوقع على الشباب والمستقبل، حتى ولو بدا مظلمًا. وأخيرًا على كل الحكام أن يتعلموا دروس التاريخ التي أكدت أن الغضب الشعبي لا يتم تحديده بموعد ولا يمكن قمعه إلى الأبد... وليست يناير منا ومنهم ببعيدة.