الثلاثاء، 12 مارس 2019

بلاش كلام في السياسة!


Friday of Victory, Tahrir Square, Cairo, Egypt, February 2011.
الخوف من بطش النظام أو بعض الأفراد والدوائر، وتجنب أي خلاف محتمل، أو اللامبالاة بالشأن العام – كلها أسباب تؤدي إلى تكرار تلك الجملة حتى أصبحت أمر يعتقد الكثيرون أنه واجب النفاذ.

يقول أفلاطون "البعض أذكي كثيرًا من الانخراط في العمل السياسي، عقوبتهم أن يتم حكمهم بواسطة الأغبياء".

لكن ما هي السياسة؟ ما تعريفها؟ وكيف يمكن تحديد الخط الفاصل بينها وبين شئون الحياة؟

بلاش كلام في السياسة
دون الخوض في مصطلحات وتعريفات لغوية والجدل فيما بين الباحثين والفلاسفة والأيدولوجيات، من الصعب الاتفاق على تعريف جامع مانع لمصطلح "سياسة" الذي يتم تداوله بين العامة، بخلاف التعريفات الأكاديمية، وقد يتم أحيانًا اختزال كلمة "سياسة" في شئون ونظام الحكم، وفي أحيان أخرى يشمل المصطلح كل شئون الحياة في دولة أو منطقة جغرافية ما. بالإضافة إلى أن العلوم الاجتماعية مازالت وليدة، ويرى بعض الفلاسفة -مثل بيرتراند راسل- أن تلك الأنساق مازالت في أطوار "أشباه العلوم" وأنها لم تصل بعد لمرحلة العلوم التجريبية ذات القواعد الواضحة والمتفق عليها بنسبة كبيرة.

حسنًا، لا أريد الحديث عن السياسة، ولكن ما أتمناه هو إجابة لسؤال هام، بشكل مباشر أو غير مباشر يشغل بال معظم سكان العالم، خاصةً مصر ودول العالم الثالث، والسؤال موجه لكل الكائنات الناطقة؛

ماذا يفعل الإنسان المُسالم (في الدول الفقيرة أو غير المستقرة سياسياً أو اقتصادياً) ليحصل على حياة بسيطة بالقدر الأدنى من الاستقرار والحقوق العامة؟


بعيدًا عن اليأس والإجابات الساخرة أو المثالية شِبه المستحيلة، أعتقد أن من يمتلك إجابة حقيقية أو حتى فكرة إيجابية أو واقعية بخصوص إجابة هذا السؤال، قد يدخل التاريخ بدون مبالغة!

لشرح السؤال بشكل تفصيلي، الحديث هنا ليس عن الحقوق الإنسانية المتفق عليها من طعام وسكن وتعليم وعلاج... الخ، ولا عن حرية التعبير والمعتقدات أو غيرها من حقوق أساسية بسيطة، تلك قضايا استنزفت نضالًا ونقاشًا حتى شارفت على الموت إكلينيكياً في دول العالم الثالث.

ولكن السؤال عن الفكر أو الاستراتيجية أو الخطة أو السلوك الذي ينبغي أن يتبعه إنسان طبيعي مسالم ليؤدي ما عليه من واجبات في المجتمع ويحصل على الحقوق الجماعية المشتركة مثل؛ وسائل مواصلات آدمية، النظام والنظافة في الشوارع، إنجاز المصالح العامة بدون بيروقراطية أو تعسيف، حد أدنى من الاشتراطات الصحية وجودة المنتجات، وحد أدنى من الأمان، كل ذلك دون الاضطرار للجوء إلى أحد الوسائط أو المعارف الهامة -إن كنت أصلًا تعرف أحدهم- حيث يستحيل أن تكون تلك هي الإجابة!

بافتراض أن حضرتك مواطن/ة من الطبقة المتوسطة بأي من درجاتها -علمًا بأن الأغلبية الحقيقية هي الطبقات محدودة الدخل- تؤدي واجباتك بشكل معقول وتسعى إلى حقوقك لتصبح فرد منتج/سعيد ولو بشكل جزئي في المجتمع... هل ذلك يعفيك من الاصطدام مع الكبار؟ وهل يضمن لك ألا تتعرض للظلم والاضطهاد بسبب رأيك/معتقدك/جنسك أو حتى بالخطأ/بالشبه أو موقف مصادفة مع أحد المسئولين/المسنودين؟

بالطبع لا يوجد ما يضمن ذلك لأي إنسان في أي مكان حتى الدول المتقدمة حضارياً -التي تقل فيها نسبة الإشكاليات المشابهة- الضمان هو أمر واحد؛ المساواة وسيادة القانون، تطبيق صارم لقانون ذو جوهر إنساني... بمعنى آخر بعيد عن الطوباوية والمثالية، المساواة أمام قوانين أساسها احترام الإنسان، وتضمن حصوله على حقه أو محاسبته في حال وجود تجاوز ضده أو منه.

قد يطرح البعض حلولاً مثل الهجرة (إلى أين؟) ولو أنها أصبحت حل صعب ناهيك عن إمكانية هجرة أسرة كاملة، وقد تكون الحلول هي العمل بصمت والصبر، أو الزهد والانعزال، أو حتى الانضمام إلى جانب الأقوى/المنتصر/الحاكم، بل وقد يطرح البعض حل المقاومة الثورية مع ما تم وما يتم دفعه من ثمن غالٍ ونفيس.

ولكن كل تلك الحلول المطروحة لا تجيب عن السؤال ولا تضمن عدم التعرض للظلم والأهم، المحاسبة العادلة لما بعد ذلك.

"العيب من الناس... وإحنا شعب كذا وكذا"

بالعودة إلى السؤال الرئيسي، يظهر سؤال جديد، هل توفير أبسط الحقوق يرتبط بسلوك وأخلاقيات الشعوب؟ وهل يوجد شعوب أخلاقها أفضل من شعوب؟ مرة أخرى هناك إجابات ونظريات وتنظيرات...
ولكن ببساطة تامة، في حال حصول المواطنين على أبسط الحقوق المذكورة، مع وجود مساواة ومحاسبة، أعتقد أن هذا هو الضمان الأمثل. مهما سمعت من "كليشيهات" ومتناقضات عجيبة مثل "أذكي طفل" و "أعظم شعب" وفي نفس الوقت "شعب ما يمشيش إلا بالكرباج" و"العيب من الناس حتى لو جبت نبي يحكم"... وغيرها من أمثلة تم ترسيخها في الوعي الجمعي منذ عشرات السنين.

"هذا البلد عجيب يندفع في السياسة وراء العاطفة و يتبع في الحب دقة المحاسبين" نجيب محفوظ – السكرية.

عن أسطورة "بلاش سياسة".

الاهتمام بالشأن العام لأنه بالضرورة يعود بالنفع على الشخص، أو الاهتمام بالشـأن الشخصي عن طريق التفاعل مع/متابعة قضايا عامة، أو حتى تجاهل الشأن العام بسبب الخوف/اللامبالاة/أو أي سبب... هو في النهاية سياسة! ما يتم تعريفه كـ "سياسة" هو في حقيقة الأمر الحياة نفسها، وليست "عيب... وما يصحش كده"، وأحد أهم الإنجازات العميقة لثورة يناير هي شيوع الحديث عن مسائل الحياة وحال الوطن في كل مكان حتى المواصلات، بعكس الأمر قبل 2011 وهذه هي الكرة الثلجية التي تتعاظم مع الوقت لإعادة تشكيل الوعي والثقافة، والتي لها الدور الأهم فيما هو قادم وفي الإجابة عن سؤال الحلقة!

فيا أيها الرئيس والوزير والمسئول والمواطن والإنسان الباحث فيما بعد الحداثة الثقافية والفلسفية والسياسية، تقدم بإجابتك عن السؤال، أو حتى التفكير في الإجابة... والجائزة كبيرة.

أتمنى أن يكون السؤال والطرح تم توضيحه بشكل موضوعي وأن أكون تجنبت أي احتكاك/اتهام محتمل مع أي مكون مجتمعي أو قانوني أو سياسي... هذا ليس مقال سياسي، وأي تشابه في الطرح أو الأحداث بينه وبين الواقع هو وجهة نظر للقارئ وليس مسئولية الكاتب.