الأربعاء، 9 نوفمبر 2016

بتوقيت القاهرة المحلي

في يوم الاثنين، الموافق 1 أبريل 2013، كتبت مقالا بعنوان “رحيل مرسي بتوقيت القاهرة المحلى“، وهو تحليل اعتمد على بعض الأرقام والمؤشرات التي ظهرت في وقتها لكل من يتابع الشأن العام.
وعندما أعدت قراءة ذلك المقال، وجدت أن الكثير من العوامل التي ساهمت في إسقاط أنظمة الحكم السابقة في مصر مازالت قائمة.
الجنون هو تكرار نفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة” مقولة شهيرة منسوبة للعالم ألبرت أينشتاين.
ملخص الأزمات:
في البداية، وجب التنويه بأن نفس مسببات تردي الأحوال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أدت إلى موجات التظاهر والغضب على مدار سنوات، مازالت قائمة، بل إنه بالنظر إلى الأرقام  والمؤشرات المنشورة في تقارير الحكومة والجهاز المركزي وفي تقارير جهات متعددة، يتضح أن أحوال المواطنين ازدادت سوءً لأسباب كثيرة، منها ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم وزيادة الديون الداخلية والخارجية وزيادة عجز الموازنة وانحدار مستوى التعليم وضعف كفاءة سوق وفرص العمل وتخفيض الدعم على المحروقات ورفع الضرائب وأسعار الخدمات وأزمات الإسكان والمرور وبيروقراطية التعاملات مع الجهات الحكومية وغيرها من أزمات مستمرة ومتصاعدة بدون وجود خطوات شفافة ومنطقية للحل، بالإضافة لفساد المؤسسات وبطش الأجهزة الأمنية وغلق المجال السياسي العام.. كل ذلك يشارك في عزف سيمفونية شنيعة هي الأسوأ من نوعها عن فساد منظومة الحكم.
وفوق كل ذلك، زادت مشكلة الإرهاب وما صاحبها من أعمال عنف وقتل شبه يومي، وما ظهر من فشل أمني في التعامل مع ذلك الملف. وبالنظر إلى الإعلام الدولي نجد أن تناوله لسيرة مصر عادةً ما تأتي مع سخريةٍ من أداء أو كذبالحكومة والنظام الحاكم كل، وأحياناً نقد للفساد أو للديكتاتورية.
ملفات ساخنة:
وبالرجوع لأشهر الملفات الساخنة المثارة في مصر مؤخراً، منذ واقعة مقتل فوج السياحة المكسيكي، وواقعة سقوط الطائرة الروسية ومقتل الطالب الإيطالي “ريجيني” بعد تعذيبه، والذي بسببه قامت إيطاليا باستدعاء سفيرها من مصر مهددةً باتخاذ إجراءات صارمة ما لم يتم كشف الحقيقة، وما صاحب كل تلك الوقائع من تخبط وتضارب في البيانات والتفسيرات من الجهات المصرية الرسمية، والتي قد تتسبب في دخول مصر في أزمة دبلوماسية كبيرة، بخلاف ضرب السياحة في مقتل. ثم تأتي قضية عزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات دون إدانة جنائية في سابقة هي الأولى من نوعها، وأخيراً وليس آخراً، قضية التنازل عن سيادة مصر على جزيرتي “تيران” و”صنافير” لصالح المملكة العربية السعودية، القضية التي لاقت ردود أفعال وغضبا شعبيا كبيرا أدى إلى تظاهرات بعدد من المحافظات وبوسط القاهرة في يوم الجمعة الموافق 15 أبريل 2016، فيما عرف باسم “جمعة الأرض” المصطلح الذي لاقى تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، ونتج عن أحداث ذلك اليوم إلقاء القبض على عدد من المشاركين بالتظاهرات بعد مواجهات مع الأمن.
مواجهات داخلية:
وفي خضم تلك الأحداث الجارية، تتصاعد المواجهات الداخلية بين بعض المؤسسات الأمنية والتي باتت معلنة بشكل كبير بعد الانتخابات البرلمانية ومن خلال بعض المنابر الإعلامية أو الشخصيات العامة المحسوب بعضهم على تلك الجهات بشكل أو بآخر. ما يشير بقوة إلى انهيار التحالف الحاكم بعد 30 يونيو بشهادة عدد من مؤيديه.
وقد كان وصول الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” إلى الحكم عن طريق الانتخابات الرئاسية في 2014، ورغم العديد من التحفظات لبعض الرموز والقوى السياسية على قوانين وإجراءات الانتخابات إلا أنها كانت بدون منافسةٍ تذكر، والتي سبقها وجوده فعليا في الحكم على رأس المؤسسة العسكرية كوزير للدفاع ونائب أول لحكومة الرئيس المؤقت السابق “عدلي منصور”، بعد عزل الرئيس الأسبق “محمد مرسي” المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، في يوليو 2013.
لغة الخطاب:
في خطابه يوم الأربعاء، الموافق 13 أبريل 2016، والذي استمر لما يقرب من 90 دقيقة أمام مجموعة تم اختيارها بشكل غير معلن تحت اسم “ممثلي المجتمع المصري” ردد الرئيس عبد الفتاح السيسي، كلمة “أنا” حوالي 103 مرة، حيث بدأ “” الكلمة بـ “أنا رجل شريف” واختتم الكلمة بـ”أنا مادتش الإذن لحد أنه يتكلم”. ومن بين الجمل التي بدأها بكلمة “أنا” جُمل مثل “أنا قولت، أنا قررت، أنا طلبت، أنا مستعد، أنا هعمل، أنا مابسمعش، أنا سألت كل الناس”، بالإضافة إلى جمل أخرى بدأها بـ “أنا” ثم تراجع عنها وحولها إلى “إحنا”.
وقد اشتهر “السيسي” بتصريحاته العاطفية أحياناً والمثيرة للجدل في أحيان أخرى والتي عادةً ما يتم تداولها بصيغة ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أدى ذلك إلى إعلان غضبه على بعض مستخدمي الإنترنت والمنابر الإعلامية في أكثر من مناسبة، وحديثه عن ما يسمى “بحروب الجيل الرابع” واعتراضه على وسائل نشر المعلومات، مثل قوله“أنا ممكن بكتيبتين أدخل على النت واعملها دائرة مقفولة والإعلاميين ياخدوا اخبار وشغل منها”.
دوام الحال من المحال:
نشر مركز “ستراتفور” تقريراً عن الجسر البري المزمع إنشاؤه بين مصر والمملكة العربية السعودية، موضحاً أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة حذر السيسي مسبقاً من نقل السيادة على الجزيرتين للسعودية، لأن ذلك “سيمس بالكرامة الوطنية وسيؤدي لإغضاب الرأي العام المصري”.
ومركز “ستراتفور” هو مركز دراسات استراتيجي وأمني أميركي من أكبر المؤسسات الخاصة المعنية بقطاع الاستخبارات، ويطلق عليه أحياناً في الصحافة اسم “مخابرات الظل الأمريكية” (The Shadow CIA)
وبمناسبة هذا التقرير الهام المشار إليه، هناك تحليل منطقي بأن الجيش قام بالتدخل من قبل “مع مبارك ومرسي” للحفاظ على مصالح وتوازنات في رأيهم أنها لازمة لحفظ استقرار البلاد -واستقراراهم كمؤسسة عسكرية- حيث يقوم بعمل ما يشبه مائدة مفاوضات يضم إليها أي كيان أو جهة لها وزن سياسي أو لها نفوذ مؤثر، وحتى الآن لا يوجد تحالف أو مظلة تجمع أو تمثل المصالح الشعبية، بعكس الأجهزة الأمنية ودوائر رجال الأعمال، الممثلة دائماً كلاعبين ثابتين في المضمار السياسي بمصر.
وفي ظل ما سبق ذكره، ومع تفاقم مشاكل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ووعود سياسات التقشف ورفع الدعم وأزمات صيف 2016 المتوقعة، وفي ظل انهيار التحالف الحاكم بعد 30 يونيو، فقد لا يشهد الرئيس عبد الفتاح السيسي نهاية فترته الانتخابية. إلا إذا حدثت معجزة ما!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق