السبت، 16 أبريل 2016

الحل العصري لمشاكل الشعب المصري (2)



لا يمكن لأي جيش أن يصمد أمام قوة فكرة عندما يحين وقتها
فيكتور هوجو، أديب فرنسي.
في المقال السابق، تم استعراض بعض الأرقام والمؤشرات التي توضح مدى تردّي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في مصر، في ظل تتابع أنظمة حُكم تخضع لشبكات مصالح متبادلة ما بين رجال أعمال وعسكريين وغيرهم من نخب، مُسيطرين على أجهزة الدولة وأدواتها الاقتصادية ومواردها، مُتحكمين بإعلامها، ومُروجين لأنظمة حُكمهم بأنها الوكيل المناسب لمصالح القوى الدولية والإقليمية المختلفة في المنطقة.
وأن الأزمات الرئيسية في مصر – وفي أي منظومة عامةً – تتفاقم بسبب فساد المؤسسات والتي من أهمها فشل أنظمة التعليم، أو بمعنى أصح نجاح المنظومات في فرض التجهيل، مع سيطرة النظام على المنابر المختلفة وأدوات الإعلام التقليدي، مما ينتج عنه خلق وعي جماعي مُشوه، يسهُل السيطرة عليه بالترهيب والترغيب ونشر الأكاذيب وطمس الحقائق.
إن أثمن ضروب رأس المال، هو ما يستثمر في البشر
 ألفريد مارشال، اقتصادي بريطاني.
وتم عرض حقائق سريعة عن مدى أهمية العنصر البشري في أي دولة حديثة – بعكس ما يتم الترويج له أن الزيادة السكانية أزمة يجب مواجهتها والحد منها، مع العلم بأن مساحة مصر تزيد عن المليون كيلو متر مربع والمساحة المأهولة تبلغ 78990 كيلو متر مربع، أي أننا نعيش فقط على مساحة تبلغ 7.8 % من مساحة مصر الكلية! ولننظر إلى الصين والهند وكيف يتم الاستفادة من العنصر البشري في أكبر دولتين من حيث عدد السكان في العالم.
وبربط ذلك مع تقدُم  إستخدامات شبكة الإنترنت والتطور الهائل في آليات ومواقع التواصل الاجتماعي وتوغلها داخل كل أسرة مصرية – حيث وصل عدد مستخدمي الإنترنت في مصر إلى ما يقرب من 50 مليون! منهم ما يقرب من 25 مليون مستخدم عن طريق الهواتف الجوالة والأجهزة المحمولة – نصل بالتدريج إلى الحل السحري المطلوب، كما سيتم التوضيح تباعاً في هذا المقال وما يليه.
سياسات التجهيل:
ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا، تجاهلت حتى قيل إني جاهل
فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص، ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل

 أبو علاء المعرّي، شاعر سوري.
الجهل له عدد من التعريفات اللغوية والاصطلاحية، ولكن المعنى الشامل هو فهم معلومة أو موضوع ما خلافاً لما هو عليه، ناهيك عن عدم معرفته من الأساس، والجهل في حد ذاته ليس هو المشكلة الرئيسية طالما يتم الاعتراف به والسعي لدحضه بالعلم أو المعلومة، فالجهل ليس مقصوداً به جهل القراءة والكتابة (الأمية) – يوجد خلاف حول نسبة الأمية في مصر! ولكن التصريحات الواقعية تقدرها بحوالي 40% من السكان! – وليس المقصود أيضاً الجهل بموضوعٍ ما أو شأنٍ من شئون الحياة، ولكن الجهل الذي يمثل خطورة حقيقة هو الاعتقاد الفاسد والذي يصر عليه صاحبه نظراً لاقتناعه بوجاهة رؤيته أو تضليله من خلال جهات مختلفة، فالجهل الحقيقي هو غياب معلومة ما، قد يتسبب في ضرر لك أو للغير.
تبدأ الحرية حيثما ينتهي الجهل
فيكتور هوجو، أديب فرنسي.
والتجهيل هو استخدام استراتيجيات وآليات مختلفة عن طريق نظام حاكم أو بعض مؤسساته لإبقاء المواطنين داخل دائرة مغلقة منشغلين بمحاولات استيفاء متطلبات الحياة الأساسية، وتحديد سقف المعلومات كما يرغب له النظام أن يكون لحفظ مصالح المرتبطين به من حكام ونخب ورجال أعمال، فيمكن اختصار تعريف التجهيل في أنه إفشاء الجهل بمنهجية لحجب المعلومة أو تشويهها.
كل ما تحتاجه في هذه الحياة هو الجهل والثقة، وبعدها سيكون النجاح مؤكد!
 مارك توين، كاتب أمريكي ساخر.
(في جلسة نقاش مفيدة مع بعض الأصدقاء حول استراتيجيات التجهيل توصلنا إلى اختصارها في 9 طرق يتم استخدامها بآليات مختلفة في مختلف محاور إدارة الأنظمة الحاكمة وهي: الجهل – التخويف “القمع” – التضليل – الإشاعات – الإفقار – الإلهاء – التعتيم – احتكار المنابر – التقسيم “التفرقة” – التزوير).
مقاومة التجهيل:
بالطبع في ظل فساد وبيروقراطية مؤسسات الدولة ومشاركة بعضها في تطوير سياسات التجهيل عن عمد أو بسبب سوء الإدارة ووجود مصالح شخصية ومنتفعين من ذلك، تصبح مقاومة التجهيل عمل شاق يحتاج لجهود شعبية. ولكن في ظل تطور التكنولوجيا ووسائل التواصل وظهور أجيال معاصرة لذلك لديها ثقافة “التثويّر”، يمكن بناء أساس جيد لمقاومة التجهيل على المدى بعيد، ووضع حلول عاجلة للأزمات المعاصرة.
أما الحلول المطلوبة للبناء المستقبلي فهي موجودة ومتاحة ولكنها تحتاج لسرد تفصيلي وعلى رأسها مبادرات وآليات نشر وتوثيق المعلومات وتطوير العلم والتعليم على التوازي مع هيكلة السياسات الاقتصادية وعدالة توزيع والدخل وحسن إدارة الموارد، وسيتم عرض ذلك في مقالات لاحقة.
وبالنسبة للحلول العاجلة لمواجهة الواقع وأزماته، فهي تتلخص في المبادرات الشبابية لمواجهة التجهيل، ونشر وإتاحة المعلومات والتوعية بالحلول المتاحة وتجهيز متطلبات تنفيذها في مختلف المجالات وعلى رأسها الملف الاقتصادي والأمني وملف الحريات المتقاطع مع كل المحاور، وذلك عن طريق منابر الإعلام البديل وآليات تقصي الحقائق والمعلومات، حيث أن المعلومة هي السلاح الأول لمواجهة أي عدو وهي خط الدفاع الأول أبضا لمجابهة أي أخطار.
وسيتم تخصيص المقال القادم لعرض أهم وأنجح المبادرات الشبابية، وطرق الاعتماد على الإعلام البديل في نشر وتصحيح المعلومات وقراءة التاريخ والأحداث من مختلف وجهات النظر، والحملات المتعددة القائمة والمطلوبة لتطوير الحلول ومواجهة المشاكل والأزمات المختلفة، وطرح آليات فعالة لمتابعة المستجدات المحلية والدولية وكيفية التأكد بقدر الإمكان من مدى صحة الأخبار والمعلومات التي يتم نشرها يوميا في وسائل الإعلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق